مقالات

عدن.. وقطف العنب من النافذة ؟!

المجتمع في عدن بسيط في كل شي في حياته وفي أحلامه ,مهما كان فارق الطبقات الاجتماعية من غناء وفقر ومستوى ثقافي وفكري , جميعهم يشتركون في الطموحات التي لا تتعارض مع بعضها , حلمهم الدولة والنظام والقانون كمرجعية للعلاقات وضبط إيقاع الحياة , حلمهم الرخاء والسعادة والحياة المدنية الخالية من الصراعات , يجمعهم رفض العنف والتسيد والهيمنة .
تفتح وعيي على حلم الحرية والاستقلال , أول شعار رددته برع برع يا استعمار , كنت مقتنع أن عدن كانت تُصرف على بريطانية , استعمرتنا لتنهب خيراتنا, عشت فترة النضال وعاشرت المناضلين ومن هم اكبر سنا مني, كانا موعودون بمستقبل رغد , سنقطف التفاح والعنب من الطاقة( النافذة ) .
يوم الاستقلال , يوم أن أشعلة الأنوار , ولم تعرف عدن ظلمة الليل فرحا وابتهاجا , والمسيرات الجماهيرية التي شاركنا فيها , وخطاب الرئيس الشهيد قحطان الشعبي , أشهر معدودة وافتقدت لصديقي المناضل , والمستقبل الموعود , ,وذهبت للسؤال عنه في منزلهم الكائن في حارتنا , قال لي والده انه في السجن ,صدمت وغضبت وتغيرت ملامحي ,رد والده يأبني الجبهة القومية هي التي سيطرت على البلد وزجت بكل شركائها في النضال في السجون إلا من وآلاءها وحمل راياتها , فصرخت قائلا كان مناضلا يحب هذه الأرض ويعشق الحرية ويحلم بمستقبل واعد , وقطف العنب والتفاح من الطاقة (النافذة ), قهقه ضاحكا وقال خير يأبني خير إنشاء الله سننتظر وفي أول زيارة له في السجن أخذك معي .
وبعد سنوات كان قد تفتح وعيي وانخرطت في النشاط الحزبي والسياسي , وعرفت مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية , وأننا مجرد مجتمع مجزئ بين مشروع وطني وأعداء لهذا المشروع , وان الشراكة وهم , فذهبت لوالد صديقي المسجون بسبب انتمائه السياسي , وعرضت علية زيارته , وحددنا الموعد , وذهبنا في موعدنا كان يحمل كيسا فيه فاكهة , قال انه اشتراها بواسطة عضو لجنة مركزية من شركة النصر كلفته الكثير , وبينما كنا جالسين منتظرين لمقابلة صديقي , اطل علينا من نافذة من خلف القضبان , قبل السلام رفع والده عنقود من العنب وكم حبات من التفاح قائلا تفضل يا ولدي وتناول من هذه النافذة حلمك بقطف العنب والتفاح , موقف مؤثر أذرفت فيه الدموع بفقدان حلم بسيط لمجتمع بسيط , فقدان الحب والحرية والعدالة والوطن المستوعب للجميع , الكل يدرك أن التفاح والعنب لن يزرع في عدن , بل يزرع في المناطق الشمالية الأكثر تخلفا وظلما واضطهاد حينها , فلا معنى للتفاح والعنب دون حرية وعدالة ومساواة وحب وتآخي وتوافق واتفاق على وطن يستوعب الجميع .
وهكذا نبدد أحلامنا , الوحدة اليمنية حلم راود البسطاء بالتخلص من الأنظمة الشمولية والاستبداد والانغلاق وعفن التسيد والاستبداد السياسي والديني , لنحقق طموحاتنا في نظام ديمقراطي فيه حرية وتعددية سياسية وفكرية ومساواة وتبادل سلمي للسلطة , فبدد المستبد أحلامنا , لتعارضها مع طموحاته وأطماعه وأنانيته وثقافته, ولازال معيقا ومؤثرا كثقافة وسلوكا تأصل فينا .
كلما صحونا ونتذكر أحلامنا البسيطة , لنحييها ونقطف ثمارها , فيخرج منا وفينا مستبد وطامع وأناني , تغريه المادة والسلطة , فيحول فوهة بندقيته لصدورنا , ويدعي انه يمثلنا وهو يكيل وابل من التهم لنا , حلمه وطموحه متناقض كليا مع أحلامنا وطموحاتنا , أفقنا واسع بسعة حجم الوطن , وافقه ضيق بالكاد يستوعب منطقته وطائفته وعرقه وسلالته , وفكره المنحصر بالماضي وثاراته وضغائنه وأحقاده , ويبدأ يستخدمنا في تصفية خصوماته , كل هذا يتناقض كليا مع تطلعاتنا وطموحاتنا وأحلامنا , يتناقض مع تجاوزنا للماضي والتسامح والتصالح ,مع القيم والمبادئ التي أفرغها من محتواها , ليعكر صفو الواقع بالتخلف والتعصب , فإذا بنا ضحايا طيشه وتهوره وانتقامه .
وهكذا تنتهك حقوقنا وتتقاذفنا أيادي الغدر والخيانة من مستبد لمستبد ومن طاغية لطاغية ومن طمع لأشد طمعا , فينهار وطن وأمة .

زر الذهاب إلى الأعلى