مابعد العلمانية، وبطالة المثقف!
يدخل العالم اليوم مرحلة مابعد العلمانية ويتراجع الواقع العربي إلى ماقبل الثورات الوطنية وماقبل مرحلة التنوير والإصلاح الديني.
إن المجتمع الغربي الذي أهتم بدراسة المصطلحات بدقة وإعلان تدشين مراحلها ثم مابعدها وماورائها. وإذ يدرس ويعد ويناقش إعلان وتدشين “مرحلة مابعد العلمانية” فهذا لا يعني بأن مابعد العلمانية هو العودة إلى نقيضها وإنما دخول مرحلة جديدة ومتقدمة يختلف فيها الجدل والنقاش بناء على تطور التجارب وسبر أغوار المصطلحات والأفكار.
وأمام هذا التطور المدهش يتراجع الواقع العربي بكافة المجالات، فتراكم موت الأفكار والمصطلحات وتصبح كالجيف تأتي بالوباء، وبدلاً من أن يقوم المثقف العربي بواجب حماية البيئة الفكرية والسياسية، فهو يقوم بدور حماية هذه الجيف الفكرية والسياسية.
والمثقف اليمني يزيد على هذا فكما يحمي الجيف فأنه يستزيد جيف أخرى من معارك أخرى انتهى وقتها وزمانها، ليعيد معركتها اليوم بطرق وأساليب بدائية ومتخلفة.
حين كان النقد يتوجه للمثقف إيمانا برسالته الاخلاقية، وكانت له مساحته تأثيره حقيقة، ولكن كان الطموح أكبر، وبالتالي أنتشرت الأفكار عن أزمة المثقف العربي وعدم فاعليته بالواقع فقد كان المثقف سلطة قوية يصارع الجميع، وإن كان بعضها صراع عدمي.
وبعد هذا تحول المثقف إلى تقارب مع السلطات كمرونة ونضج بالتجربة، وكانصدام بالواقع وعجز.
وفي هذه المرحلة كان لنا نصيب بمثقفين عمالقة، وأبطال حقيقيين، ومبدعين فاعلين، أثروا بالواقع والساحة الوطنية. وهم إلى اليوم، فخرا وشرفا لنا، وأمام كل الأجيال القادمة، رموز وطنية ثقافية وسياسية محترمة، خاضت معارك حقيقية وتركت آثار انجازاتها ورسالتها، بينما المثقف اليوم يخوض معارك عبثية ووهمية، أو يقف عاجزا وضعيفا أمام نتائج الأخطاء والمغالطات التي كان واحدا من النخبة التي أسهمت بصنعها.
البردوني،والجاوي،وجارالله عمر. هؤلاء هم الذين أدوا بجداره دور المثقف السياسي، والسياسي المثقف. وخلف من بعدهم خلف أضاعوا الثقافة والسياسة وأفرغوا كل القضايا من محتواها.
فهذه هي مرحلة موت الثقافة والسياسة، وإنحطاط المثقف وبطالته، فأصبح بوقا، لأنه فارغا ويعاني من البطالة ولا يملك أي فكرة ولم يعد يؤمن برسالته الإخلاقية، وحين وجد البعض أنه أنتهت فترته كبوق وتم الاستغناء عنه يلجئ إلى افتعال معارك عبثية تعبر عن أزمة البطالة السياسة والفكرية التي يعانيها ولاقيمة لكل مايصنع من ضجيج.