مقالات

الإسلام وقيم الحضارة الحديثة

 


 


 


يتخيل المسلم المعاصر وجوداً سحرياً لإسلام مثالي.. إسلام يحتوي كل الإيجابيات والإنجازات.. إسلام علمي، عصري، عادل، مسالم، يملك كل الحلول لكل المشاكل.


هذا الوهم السحري المعاصر أسسته الكلمة الشهيرة لمحمد عبده “رأيت في أوربا إسلاما بلا مسلمين”.


 فجأة أصبحت كل قيم الحضارة الحديثة إسلاماً.. العدالة إسلام، العلم إسلام، المساواة إسلام، الديمقراطية إسلام، التعليم الحديث إسلام…. إلى آخره.


 


لكن المسلم المعاصر لا يسأل نفسه لماذا لم يظهر هذا الإسلام المثالي المفارق للواقع في أي لحظة من لحظات التاريخ حتى في فترة الرسول (ص) والراشدين؟


ولا يسأل نفسه كيف تمكن الغربيون من تطبيق الإسلام دون حاجة للنبي أو القرآن؟


 


أليس هذا بحد ذاته دليل على عبثية إرسال الرسل وإنزال الكتب المقدسة ولا جدواها ما دام من نزلت بينهم فشلوا في تطبيقها، بينما نجح آخرون في تجاوزها دون حاجة لها!


 


مشكلة الإسلام المثالي ليس أنه غير موجود في الواقع فقط، بل هو غير موجود في النص أيضا.


 


النص الإسلامي يقدم رؤية للعدالة والحرية والعلم والمساواة والسلم متناسبة مع ثقافة المجتمع والزمن الذين نزل فيهما.


 


 


 


تستطيع الحديث عن الإسلام والافتخار به ولا شك دون مبالغات.


وإذا كانت عبارة محمد عبده صحيحة، فإن “الإسلام بدون المسلمين” الذي وجده في أوروبا لا يتجاوز واقع المسلمين فقط، بل يتجاوز النص الإسلامي بذاته!


وعندما قال الشيخ محمد عبده إنه رأى في أوروبا “إسلاما بلا مسلمين”، إن صحت نسبتها له، فقصده كان مختلفا.


 


كان يريد إقناع المسلمين أن لا تعارض بين الإسلام والحضارة الحديثة، وكان يسعى لتحفيزهم ليتبنوا قيم الحضارة الغربية الحديثة بلا خوف.


بل أجزم انه لم يكن أبدا يؤمن في داخله أن ما رآه في أوروبا اسلاما إلا من باب التقريب والتحفيز.


لكن الكلمة قادت اللاحقين في طريق أبعد مما يكون عن مقصد الأستاذ الإمام.


بدلا من التفاعل الشجاع مع الحضارة، ظن اللاحقون والتابعون أن الإسلام يحتوي فعلا على كل القيم الإيجابية، وأن كل ما هو إيجابي في ثقافة العصر موجود في الإسلام لا يحتاج أكثر من البحث والتنقيب في النص.


خلقت هذه العبارة/الفكرة فجوة بين المسلمين وعصرهم.. باعدت بينهم وبين العالم بدل أن تقربهم منه. حولتهم إلى دروايش موهومين يبحثون عن كل شيء في النص. ابعدتهم أكثر عن رياح العصر وروحه..


أعطت المتخلف وهم التفوق على المتقدم، وزرعت داخل الأجوف وهم الامتلاء.


لم يكن ما رآه محمد عبده في أوروبا إسلاما بل حضارة جديدة متمردة على السلطات والقيود والماورائيات. حضارة تفصلها عن الإسلام والأديان مسافات هائلة.


 بل إن ما يفصلها عن الإسلام أعمق وأبعد مما يفصلها عن المسيحية واليهودية والأديان التي مرت بمرحلة الإصلاح الديني.


 


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى