تمثيل المجتمع لا التمثيل به..!!
ظلت البنى الاجتماعية والثقافية الموروثة بكل تشوهاتها، مصدراً للمشاكل والصراعات التي كان يتم إشعالها عبر حوامل سياسية هشة ومتداخلة مع هذه البنى، وظل خطابها امتداداً لتلك البنى المختصمة والمتصادمة.
لم يستطع هذا الخطاب السياسي أن يتحرر أو يستقل من تأثير هذه البنى بكل ما يكتنفها من انقسامات وتشوهات، ولذلك لا غرابة أن تتصدر المشهد دائماً عوامل الانقسام، وتتوارى إلى الظل القواسم المشتركة التي بإمكانها أن تؤسس كتلة وطنية عريضة، وخطاباً سياسياً جامعاً ومحفزاً على مغادرة مأزق تلك البنى وموروثها.
خطاب التنابذ، المتداول والمتبادل اليوم، هو امتداد طبيعي لهذا الموروث، وهو خطاب ظل يؤدي وظيفة واحدة، وهي تعويم جوهر الصراع الحقيقي في اليمن على مدى زمني طويل، وفي محطات مختلفة.. وهو نفس ما نشهده اليوم مع الانقلابين الذين تصدوا بقوة السلاح لمشروع بناء الدولة، وعطلوا حل المشكلات الوطنية بمعطيات التوافق السياسي التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني.
خطاب، كل ما يمكن أن يفضي إليه هو أن يحول الصراع، إلى انقسام مجتمعي (عرقي، طائفي)، سمه ما شئت من تلك المسميات الهائمة في فلوات مقفرة من الحلم، والخيال، والتطلع، والعمل من أجل اليمن-الوطن.
ثنائيات ومفردات يغيب فيها “اليمن”، ولا يمكن أن تتجذر فيها أي هوية سياسية حاسمة في انحيازها للدولة الوطنية، ولا تعبر سوى عن تنطع عبثي يتجاوز خيارات الشعب في السلام والاستقرار والتقدم.
ترى، هل سينجح الإماميون الجدد في توظيف هذا الخطاب بتحويل صراعهم مع الدولة والمجتمع إلى هذه الساحة الملغمة والمجهزة بأدوات الانقسام المجتمعي لتكريس دعاواهم بتمثيل قسم من هذا المجتمع، بينما هم في حقيقة الأمر يمثلون بالمجتمع بأكمله وبكافة نحله وأطيافه!!
يمكننا بسهولة تتبع هذه المسألة لنعرف كيف أنهم يمثلون بالمجتمع ليس إلا، فحتى ذلك القسم من المجتمع، الذي يحتمون به، ويجعلون منه غطاءً لنزوة متعالية على الوطن والمواطنة، يرفض كثيرون فيه مشروعهم، وقدموا التضحيات في مواجهته والتصدي له..
والحقيقة أن علاقتهم به لا تعني أكثر من محاولة لاستخدام منتسبيه كعناوين بمحتوى “عرقي”، يصرون على استدعائه من أضابر التاريخ، لصالح مشروع لا يرون فيه وطناً، وإنما سلسلة متواصلة من حروب لا تتوقف.
ولم يقتصر الأمر على التلويح بهذا التنسيب الذي يفتقر إلى التماسك الموضوعي، بعد أن انخرط كثير من أعضائه بدوافع مصلحية تماماً، مثلما حدث مع غيرهم ممن انخرطوا في لعبة الانقلاب كأدوات لهذا المشروع.
بمراجعة للخطاب، بكل ما يمثله من غضب واستياء لسلوك الحوثيين وحواشيهم المنخرطة في مشروعهم الانقسامي، فإنه يعد دالة في الوضع العام للقوى المتصدية للمشروع الانقلابي.. هذا الوضع هو في حقيقة الأمر محصلة لتاريخ من صراعات النخب السياسية التي احتفظت بمتلازمات مرضية أفقدتها القدرة على إنضاج مواقف حاسمة لمغادرة تلك البنى الاجتماعية والثقافية الموروثة..
حماية المشروع الوطني تبدأ بتخليص خطابه من الانفعالات التي تهدر أهمية حضور الوطن في المكان والزمان اللازمين لحضوره. فكم هي المحطات التي تركت فيها مساحات غاب فيها الوطن وملئت بمشاريع أخرى.
يتعين على هذه القوى أن تتجاوز فخ توريطها في خطاب حماسي يؤلب على مشروعها كل نقائضه، وعلى رأس هذه النقائض تلك الارتدادات التي تستولد خطابا انفعاليا متعالياً لا يميزه شيء عن ذلك الآخر الذي يتسكع في خرائب هذا البلد المنكوب.