مقالات

عن إضراب المعلمين

 


 


يتواصل إضراب المعلمين في الكثير من محافظات الجنوب وخصوصا محافظات عدن لحج أبين والضالع، وربما بعض مديريات محافظة شبوة، تحت قيادة نقابة المعلمين الجنوبيين، ولدى النقابة ومنتسبيها ألف حجة وحجة من الحجج المقنعة للقيام بهذا الإضراب، وأهمها انقطاع تسليم المعلمين مرتباتهم الشهرية الذي يصل إلى عدة أشهر فضلا عن الحرمان من مستحقات عديدة متصلة بطبيعة الخدمة في ميدان التربية والتعليم.


 


وعلى الجانب الآخر يتسبب الإضراب في إغلاق المدارس وحرمان مئات الآلاف من التلاميذ من الجنسين من تلقي التعليم والتربية المتوقعين في ظروف تتكالب فيها كل المساوئ على رؤوس المواطنين في هذه المناطق ومعظم مناطق الجنوب واليمن بشكل عام.


 


علمتني تجربتي في ميدان التربية والتعليم، أن العمل مع التلاميذ والطلاب ليس فقط مصدراً للعيش، على ما لهذا من أهمية في حياة المعلم، لكن هذا المصدر يمكن أن يأتي من أي مهنة أخرى، ولا أخجل من الإعلان أنني وفي سنتي الخدمة الوطنية في مجال التربية والتعليم ومثلي آلاف المعلمين الجدد كنا نتقاضى في الشهر، ما يساوي 12 دينارا و500 فلس أي ما يساوي حوالي 37 دولاراً أمريكياً، بسعر تلك الأيام، ولا أزعم أننا كنا سعداء لكننا كنا مقتنعين بتلك الوضعية باعتبارها حالة كل الموظفين المستجدين، وكنا نعوض عن نقص احتياجاتنا بالقيام ببعض الأعمال العضلية خارج نطاق ووقت العمل الوظيفي.


 


ما أتعرض له هنا ليس انتقاصا من حق الزملاء المعلمين والمعلمات، ولا حتى عتابا لهم على قيامهم بالإضراب فهذا حقهم، لكنني أشير إلى أن محافظات الجنوب تمر بوضعٍ انتقالي استثنائي تحيق به المخاطر من جميع الجهات، فإذا كانت كل احتياجات الحياة اليومية من ماء وكهرباء ودواء وغذاء ورعاية صحية وخدمات الاتصالات والنقل ووقود المركبات كل واحدة منها تصنع أزمة ولا يتحصل عليها المواطن إلا بشق النفس وأحيانا لا يتحصل عليها لعدة أيام متواصلة، في حالة يدفع ضريبتها الباهظة المواطنون البسطاء فإن المتضرر الأول والأخير من إضراب المعلمين والمعلمات هم أبناؤنا وبناتنا وأهلنا نحن، أما الحكومة فإن هذا الإضراب يمثل مصدر سعادة لأساطينها، فبه يتحججون في التنصل من أية التزامات ولو حتى زيارة إلى مدرسة أو السؤال عن صحة معلم ووضعية إدارة مدرسية، وقد تداول نشطاء التواصل الاجتماعي تغريدة مصحوبة بصورة لوزير التربية والتعليم وهو يتعاطى كيف القات على أحد الشواطئ يقول فيها “تخزينة على ساحل أبين تسوى الدنيا وما فيها”، وطبعا في هذه الدنيا أشياء كثيرة مما تساويها “تخزينة السيد الوزير” منها المدارس والطلاب والمعلمون والتعليم والتربية وغيرها، مما يراه الوزير أقل قيمةً من هذه “التخزينة”.


 


أدعو زملائي وزميلاتي، وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي المعلمين والمعلمات ، وقيادتهم النقابية إلى إعادة النظر في قرار الإضراب هذا والتفكير بما يترتب عليه من خسائر تلحق بالأجيال المتطلعة إلى المستقبل، . . .، فلا تعتقدوا أنكم بإضرابكم ستخجلون السلطة التي لم تخجل من فشلها في كل شيء، ولا تتصوروا أن أساطين هذه السلطة سيتضررون من إضرابكم فإبناؤهم يتلقون التعليم في أرقى المدارس وأحيانا بمنح مدرسية وجامعية على حسالب موازنة الدولة (المفترضة)، وهذه الدعوة ليست موجهة للتخلي عن مطالبكم المشروعة، بل إنني أدعوكم إلى التمسك بهذه المطالب، لكن ما أدعو إليه هو مراجعة الخطوات الاحتجاجية على النحو الذي يعيد أبناءكم وبناتكم وتلاميذكم إلى المدارس ويعيدكم إلى الواجهة كمربيين أفاضل لا يربطكم بتلاميذكم مجرد الراتب الشهري على تفاهته وضآلة قيمته الشرائية، بل علاقة الحب والعطاء المتبادل وزراعة المعرفة وبناء القدرات وتنمية المهارات وتأصيل القيم الفاضلة التي لا يصنعها سواكم أيها المربون الأفاضل.


 


فلا تدمروا مستقبل أبنائكم ولا تسدوا قنوات المعرفة أمامهم فإن هذا الوضع لو استمر سيتحول إلى كارثة لا يمكن التنبؤ بعواقبها، وتذكروا أن لدى شعبنا من المواجع والكوارث ما يكفيه لعقود من أوجاع الرأس المتواصلة.


فهلا خففتم عنه جزءً من هذه المواجع؟؟؟!!!


أتمنى ذلك!


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى