تجار الحروب..
خلال سنوات الحرب في اليمن تشكلت مافيا حرب تمتد في معسكر الحوثيين والشرعية في آن واحد.
ومع غياب الدولة أتيحت فرص كثيرة للكسب غير المشروع خاصة لمن يمسكون بقرار الحرب وتوسعت مساحات النهب والاستيلاء على مداخيل الدولة إلى أيدي متنفذين وقيادات عسكرية غالبا من قيادات الحوثي والإخوان، وكذلك من اللفيف الذي يحيط بالرئيس ولهم مزايا عابرة لكل الموانع والقوانين، وكذلك المتنفذين في الحكومة في قطاعات مختلفة كالنفط، والمالية، ومؤسسات القطاع العام والمختلط.
وفي ظل وضع كهذا أصبح موضوع الحسم العسكري ليس مطروحا لدى القوى الفاعلة على الأرض والتي تقوض كل جهود التحالف للدفع باتجاه الحسم. فقد شكلت الحرب فرصتها التي لن تكرر لتكديس الأموال وتهريبها للخارج.
قبل فترة نشرت صحف بريطانية وفرنسية أن تعقيدات تجارة الحرب في اليمن عامل من عوامل تأخير الحسم، وهو ما أشار إليه إسماعيل ولد الشيخ المبعوث الأممي السابق لليمن في إحدى احاطاته لكن ذلك لم يكرر في احاطات من خلفه.
وربما أن الفساد وامتداد فوائد الحرب قد أصبحت أيضا فرصة لطواقم المنظمة الدولية ومبعوثه والفرق العاملة، إذا صح بعض ما نشر إعلاميا أن النفقات للمبعوث الأممي والعملية السياسية تفوق عشرين مليون دولار في بعض الأشهر، وهنا تظهر أيضا بعض تجليات هذه التجارة العابرة للقارات.
إن عدد المنتفعين من الحرب في اليمن يتوسع ليصل لقيادات وسطية ودنيا أحيانا من طفيليات كانوا على الهامش ووجدوا في الحرب فرصة نادرة للتكسب خاصة أن معظم هؤلاء كانوا يعيشون الفاقة ويقعون في هامش الحياة.. وبعضهم كانوا قابعين في السجون أو ملاحقين بتهم مختلفة.
هذه المافيا التي تزيد كل يوم عدداً وعدة تنسج شبكات من المصالح، فيما بينها عابرة للخلافات، عبر تجارة السلاح التي يشكل السماسرة المتمرسون مفتاحا وسيطا بين معسكر الحوثي وقيادات إخوانية وجهادية، لا سيما في محافظات البيضاء ومارب وتعز.
كما تشكل تجارة النفط في السوق السوداء، والمخدرات وبعض السلع المهربة مجالا خصبا لتجار الحرب باستغلال تواجدهم على الارض وتمرير وحماية هذه الصفقات.
ويشكل دعم التحالف وبيع السلاح الذي يصل احد مسارب ومداخيل هذه التجارة، كما تشكل مداخيل التجار وابتزاهم منبعا من منابع الثراء، بالإضافة إلى الأسواق وأملاك الدولة والأوقاف والواجبات.
وتتوسع حلقات تجارة الحرب لتصل لغسل هذه الاموال عن طريق فتح شركات الصرافة والمدارس والجامعات الأهلية وتحديدا لجماعة الحوثي والإخوان.
وتأتي محافظة مارب في طليعة المحافظات التي تشيع فيها هذه التجارة، كاشفا لها بصورها المختلفة حتى إن النفط في بعض مناطق من مأرب يباع بنصف ثمنه مقارنة بالمحافظات الأخرى وغالبا من حصص من يسمون بالمشايخ أو حصة المحافظة أو المخصص لدعم جبهات قتال مزعومة.
كما أن السيولة التي تراكمت في مأرب من إيرادات النفط والغاز ولم تخضع لعمليات الرقابه المالية، شكلت زخما وافرا لتجارة حرب نوعية وفريدة.
قبل سنة سألت احد المختصين في المالية: كيف يدار الشأن المالي في مارب؟
أجابني بوضوح مثل أي بقالة، صاحب الدكان يأخذ من (المغل)، ويصرف وقد لا يقيد الصرف أو يسجله إلا على ورق السجاير، كل ما في الأمر أمر بالتلفون أو ورقة صغيرة يأمر الرئيس بأي مبلغ فيصرف، ومثله يصنع المحافظ في مارب، ويأخذ إخلاء عهدة متى شاء.
والأرقام التي تسربت لما تم صرفه غير معقولة، إن صدقت فإنها إحدى كوارث الحرب المقيتة.
خارطه تجارة الحرب طويلة وممتدة وتفاصيلها متشعبة وتحتاج إلى استقصاء واسع وستظهر أرقاما فلكية قد لا تصدق أنها في بلد فقير كاليمن.
وهذه التجارة هي السبب الرئيس في إطالة الحرب واستمرارها لا سيما والعتاولة يمسكون بالملف العسكري والسياسي والاقتصادي بمستويات مختلفة، لكن ما يجمعهم هو الإرادة الكاملة لتطويل الحرب لأمد غير معلوم على حساب ضياع شعب وتجويعه وافقاره.
لقد شكلت الحرب ميلادا لمافيا كبيرة بل كبيرة جدا ليس بالسهل فطامها والتخلص منها في ظل سلطات مختطفة أو مترهلة.
والغريب أن تقارير الخبراء الدوليين والمتابعين للشأن اليمني وكذلك احاطات مندوب الأمم المتحدة لليمن الأخيرة لا تتعرض لذلك مطلقا.. كما أسلفنا سابقا بقصد أو بغير قصد.
وفي ظل وضع كهذا تبقى هذه التجارة المكتملة الأركان تعقيدا جديدا ينبغي الالتفات إليه وتجفيف منابعه وتسليط الأضواء عليه إقليمياً ودولياً، كونه عائقاً رئيساً لوقف الحرب وصناعة السلام..