السلام المطلوب لليمن
طوال الفترة الماضية، قدّمت الشرعية اليمنية والتحالف العربي، رؤية للحل السياسي للأزمة القائمة في البلاد منذ استيلاء الحوثيين على السلطة في 2014، وهي رؤية متكاملة وشاملة، تستند إلى ثلاث مرجعيات أساسية أقرتها الأمم المتحدة، وهي: قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وكلها تدعو إلى تجريم استخدام القوة في الصراع السياسي، ما يعني ذلك إنهاء الانقلاب الذي أقدمت عليه ميليشيات الحوثي من خلال انسحاب صريح لمسلحيها من العاصمة والمناطق التي سيطرت عليها بالقوة، وإعادة السلاح إلى معسكرات الدولة، وتشكيل حكومة توافقية تمهد لإعادة الحياة السياسية والبرلمانية إلى سابق عهدها، بما فيها انتخاب رئيس جديد للبلاد، وبرلمان يمثل كافة الأطياف السياسية.
التحرك الذي يقوم به المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث منذ أسابيع، وترجمه بالزيارة التي قام بها إلى صنعاء لإقناع المتمردين الحوثيين برغبة المجتمع الدولي في إنهاء المعاناة التي يمر بها اليمنيون منذ سنوات، الهدف منه إفساح المجال لبلورة حل لا يخرج عن المرجعيات المذكورة، مؤيداً برؤية سياسية متكاملة تحرر اليمن من التبعية للمشروع الإيراني الذي يتكفل الحوثيون بتنفيذه منذ ما قبل وصولهم إلى صنعاء والاستيلاء عليها، وهو ما جدد تبنيه مجلس الأمن الدولي في جلسته المغلقة الأخيرة، بتأكيده أن أساس الحل السياسي هو المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن وعلى رأسها القرار2216، ذلك أن اليمن أحوج ما يكون لسلام دائم، تنتهي فيه الولاءات والمشاريع المستوردة من الخارج، التي تريد أن تعيد تشكيل المجتمع اليمني المتجانس بصبغة طائفية ومذهبية، وهي مشاريع بدأت بالظهور تزامناً مع ظهور جماعة الحوثي، التي تدعي أحقيتها بالحكم وبحق الولاية، كما هي الحال في إيران.
بذل التحالف العربي، المساند للشرعية اليمنية، الكثير من الجهود السياسية والعسكرية لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها في البلاد، ولعل المعركة والانتصارات التي تحققها القوات اليمنية المشتركة، المدعومة بقوات التحالف العربي في الحديدة دليل على ذلك، حيث برهنت على قدرة كبيرة في إعادة رسم الخريطة العسكرية باتجاه كسر شوكة الحوثيين، الذين ظلوا يسيطرون على الحديدة ومينائها ومطارها واستغلال الواردات المالية لصالح تمويل الحرب المدمرة التي يشنونها على الشعب اليمني منذ سنوات، لهذا عمدت قوات التحالف العربي إلى اتباع نهج مدروس ومسؤول في معركة الحديدة، لحماية المدنيين وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وهو موقف إنساني عبر عنه قادة دول التحالف العربي أكثر من مرة.
لذلك يريد اليمنيون أن تكون معركة الحديدة، التي تسجل نجاحات كبيرة، خطاً فاصلاً بين مشروعين، إما استعادة الدولة من أيدي الميليشيات وبناء الدولة الوطنية، وإما تقويض الدولة بمشروع طائفي يزعزع استقرار اليمن، ويبقيه في حروب دائمة.
لقد حمل مبعوث الأمم المتحدة مقترحات عملية لإنهاء الأزمة الناتجة عن معركة الحديدة، ومفادها تسليم الحديدة والانسحاب منها بدون شروط، لأن ذلك سيفتح المجال أمام عودة الجميع إلى طاولة المفاوضات، للتوصل إلى حل سياسي تقبل به كافة الأطراف، ورغم عرض الحوثي أمس الأول تسليم الميناء إلى الأمم المتحدة بعد اعترافه بهزيمته المنكرة في المطار ومحيطه، إلا أن ذلك لن يتجاوز حدود المناورة حتى يتحول واقعا. فالحوثيون لايزالون يناورون أملاً في الحصول على تنازلات أكثر تتيح لهم مكاسب أكبر، وهو أمر لا يمكن السماح به مهما مارسوا من ضغوط، لأن نهايتهم لن تكون سوى الرضوخ أو الهزيمة والخيبة التي ستلحق بهم وبمشروعهم الإيراني.