الشاعر الذي ما مات محمد يحيى الزبيري
عبدالباري طاهر
“ابن الزبير” الاسم المفضل لديه، والذي يحب أن يدعى به محمد يحيى الزبيري الشاعر المفلق، والمبدع المجدد والمتمرد.
الفقيه واللغوي، والأديب الكبير من أسرة قضاة ومشايخ من “زبيرة الشعوبة” من الحجرية.
أرسله أبوه يافعاً إلى زبيد في أربعينيات القرن الماضي، فدرس على يد علماء زبيد حينها، ولازم دروس السيد محمد سليمان الأهدل، والعلامة أسد حمزة، وأحمد داود البطاح، والشيخ سعيد الأنصاري، وكان الأهدل مفتي زبيد من أكثر الناس علماً وبساطة وتواضعاً وكان يتعامل مع الزبيري كأحد أبنائه، ولما مات بكاه، ورثى زبيد بقصيدة رائعة نشرت في صحيفة الثورة، وفيها يقول:
ليت الذي يوماً أعاد لأمه
موسى يعدني يا زبيد فأنظرا
بلداً به يوماً تفتق منطقي
نعم الديار لغيرها لن أشكرا
الطالب الزبيري غاية في الذكاء والفهم والحفظ.
درس الفقه، والنحو، والبلاغة، وعلم الكلام، ونبغ أيَّما نبوغ في النحو وعلوم اللغة.
في مطلع الخمسينات ذهب إلى مكة لمواصلة التعليم؛ فدرس على السيد علوي المالكي، وأبرز التفوق والنبوغ، ومال أكثر فأكثر نحو الأدب وعلوم العربية، وكان في منطقته مهيأً للقضاء شأن أسرته المنتمية للقضاء، وهو مجاز من علماء زبيد، ولما التحق بدرس العلوي في أواخر الخمسينات من القرن الماضي لم يكن لطلاب السيد علوي من حديث سوى الإشادة بالزبيري ونبوغه وذكائه وتفوقه.
سافر ابن الزبير إلى الكويت والرياض ودبي، وعمل إمام مسجد في الكويت لبضعة أشهر، ولم يلبث أن هرب منها بعد ملاحقة “المطوعين” له بسبب آرائه المتحررة، فوصل إلى مصر، وفيها التحق بالجامعة بعد أن كان حصل على الثانوية الأزهرية من الكويت.
كان رفيقه الشاعر إبراهيم صادق يردد على سبيل الدعاية والإلغاز: شاعران كبيران جاءا إلى مصر هاربين، وخرجا هاربين، فمن هما؟ يقصد: المتنبي، ومحمد يحيى الزبيري.
عمل بعد قيام الثورة، وتحديداً في العام 1966 مديراً لمكتب القائد العام عبد الله جزيلان الرجل الأول الذي أصدر أمر التحرك للثورة ليلة الـ26 من سبتمبر 62.
تلاقينا وتعارفنا في منزل صديقه الحميم مساوى الحكمي نائب وزير المالية بداية الثورة، ثم رئيس الشركة اليمنية للتجارة الخارجية، ومن أصدقائه الحميمين حينها الدكتور عبد الغني علي، وعبد الله صالح عبده، وكان الزبيري النابه المتوقد ملح المقيل؛ فهو حفاظة، وواسع المعرفة والاطلاع وحاد المزاج، وله مع مساوى مطارحات ومساجلات تنم عن ذكاء ومقدرة الفقيدين.
عاد الزبيري إلى القاهرة كملحق ثقافي، فواصل الدراسة والاطلاع حتى العام 68 عاد إلى صنعاء.
بعد أحداث أغسطس فر إلى عدن مع زميله مساوى الحكمي، وعمل في حقل التدريس في الثانوية العامة حتى العام 1970 عاد إلى صنعاء، والتحق بصحيفة الثورة محررا،ً ومصححاً لغوياً، ثم جامعة صنعاء كمدرس لمادة اللغة العربية.
التحق لفترة قصيرة بالحزب الديمقراطي الثوري، ولكنه بطبيعته الجامحة للاستقلالية، واعتداده بها ابتعد عن الحزب، ولكن ظل على التزام بمواقفه ونهجه التقدمي اليساري والديمقراطي.
في ثمانينيات القرن الماضي عين موجهاً أكاديمياً للغة والآداب العربية في جامعة صنعاء، وقد تعرض الشاعر الكبير لمتاعب كثيرة بسبب مواقفه السياسية، وعانى من متاعب صحية، وضيق الحال.
كان الدكتور أبو بكر السقاف من أشد المعجبين بتجربة الزبيري ولغته الجميلة، ومقدرته الفائقة على رسم الصورة الشعرية، وكذلك كان أستاذنا الدكتور الشاعر الكبير عبد العزيز المقالح، وللأسف الشديد، فإن الاحتفاء بتجربة الزبيري أقل بكثير مما يستحق؛ فهي تجربة ناضجة، وتجمع بين استيعاب القديم حد الإجادة والإتقان، واستلهام الحداثة بحذق شديد ومهارة.
أصدر ابن الزبير ديوانين: الأول بعنوان «الليل وبيض الديناصور»، وقد صدر عن دائرة التأليف والنشر بوزارة الثقافة والسياحة بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بدار الفارابي- بيروت، باسم أبو مصعب- نجل الشاعر- محمد يحيى الزبيري.
أما الديوان الثاني فبعنوان «استغاثة التراب»، وقد صدر عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 2002. ويقيناً، فإن الديوانين لايمثلان أو يضمان كل قصائد هذا الشاعر الفذ الذي بدأ إبداع القصيدة مبكراً منذ الخمسينات، ويعد من أهم مؤصلي قصيدة النثر في اليمن، وله قصائد عمودية كثيرة، وهو -يرحمه الله- شديد التعب والمعانة في حياته كلها، ولم يجد أيضاً من يهتم بتدوين وحفظ قصائده الكاثرة.
محمد يحيى الزبيري واحد من الرموز الأدبية الشعرية والثقافية، وكان نجم المحافل على مدى النصف الثاني من القرن العشرين، وتربطه علائق وثيقة برموز الثقافة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك