الرئيسيةمقالات

رسائل إيرانية إلى أميركا تنطلق من اليمن

ليست الصواريخ والطائرات المسيّرة التي يطلقها الحوثيون “أنصارالله” في اتجاه الأراضي السعودية، بما في ذلك منشآت نفطية حيوية، سوى رسائل إيرانية إلى الإدارة الأميركية الجديدة. هل تأخذ واشنطن علما بذلك… أم تستمر في سياسة تعكس نوعا من الجهل بالوضع اليمني؟ 

تعتقد “الجمهورية الإسلاميّة” أن لديها ما يكفي من الأوراق في المنطقة كي تجبر إدارة جو بايدن على التفاوض معها بشروطها. تظنّ أنّها استطاعت تحويل شمال اليمن الذي يسيطر عليه الحوثيون إلى قاعدة إطلاق صواريخ إيرانية. تظنّ أن سوريا باتت “ساحة” إيرانية، كذلك لبنان، فيما العراق، الذي يقاوم الاحتلال الإيراني، شبه رهينة لديها بفضل “الحشد الشعبي” الذي ليس سوى رديف لـ”الحرس الثوري” الإيراني. 

ما تكشفه ردود الفعل الإيرانية، خصوصا عبر تصرفات “أنصارالله” تجاه السعودية، ليس سوى إفلاس بكل ما في كلمة إفلاس من معنى. ليست هذه الصواريخ والطائرات المسيّرة المفخخة التي تطلق من اليمن سوى دليل على مدى معاناة إيران من العقوبات الأميركية التي فرضتها الإدارة السابقة. كشفت إدارة دونالد ترامب أن إيران ليست سوى نمر من ورق. لذلك، نجدها تستغلّ اليوم فرصة ناجمة عن رغبة إدارة جو بايدن في العودة إلى الاتفاق في شأن ملفّها النووي كي تثبت أنّ في استطاعتها ممارسة لعبة الابتزاز والذهاب فيها إلى أبعد حدود ممكنة. 

ليست لعبة الابتزاز سوى لعبة قديمة لا تصلح للسنة 2021. هذا يعود أوّلا إلى أن أوراق إيران ليست أوراقا، خصوصا أن السعودية قادرة على الدفاع عن نفسها وعن وجهة نظرها في ما يخصّ اليمن. يحصل ذلك في حين سيتوجّب على الإدارة الأميركية اكتشاف أن سياستها اليمنية خاطئة إلى حدّ كبير. يعود ذلك إلى أنّ الحوثيين، خلافا لما يعتقده الأميركيون، ليسوا أحرارا في اتخاذ قرارهم. كلّما مرّ الوقت، يتبيّن أنّ “أنصارالله” ورقة إيرانية وأن الحاكم الفعلي للمنطقة التي يسيطرون عليها في اليمن هو السفير الإيراني في صنعاء. 

يفترض بواشنطن إعادة النظر في سياستها اليمنية، وهي سياسة اعتمدت في عهد باراك أوباما. تقوم تلك السياسة على أن الحوثيين ليسوا مشكلة وأن لا مشكلة في اليمن سوى “القاعدة”. أكثر من ذلك، كان الاعتقاد السائد لدى كبار المسؤولين الأميركيين في عهد أوباما أن الحوثيين أداة تصلح لمواجهة تنظيم “القاعدة” الذي استطاع الانتشار في اليمن وكان وراء جرائم كثيرة من بينها استهداف المدمّرة الأميركية “كول” في أثناء رسوّها في ميناء عدن في تشرين الأول -أكتوبر من العام 2000. 

آن أوان حصول مراجعة أميركية للسياسة المتبعة في اليمن، وهي سياسة تجاوزها الزمن، خصوصا بعدما تبيّن لدى الحوثيين أجندة وحيدة هي الأجندة الإيرانية. هؤلاء يستفيدون من دون شك من عوامل عدة في مقدمها ضعف “الشرعية” اليمنية وعجزها عن مواجهتهم في أيّ من المناطق اليمنية. أكثر من ذلك، هناك تواطؤ بين الإخوان المسلمين الذين يشكلون جزءا من “الشرعية” و”أنصارالله”. ظهر هذا التواطؤ في مناسبات عدّة كانت إحداها في كانون الأول -ديسمبر 2017، عندما أخلى الحوثيون جبهة نهم المهمّة وركزوا على مهاجمة الرئيس السابق علي عبدالله صالح تمهيدا لاغتياله بدم بارد في صنعاء. لم يحصل وقتذاك أي استغلال لـ”الشرعية” لهذا الإخلاء للجبهة، بل إنّ ما حصل كان تفاهما من تحت الطاولة مع “أنصارالله”. 

في كلّ الأحوال، المطروح حاليا عودة الولايات المتحدة إلى طاولة المفاوضات مع إيران وقبولها رفع العقوبات عن “الجمهورية الإسلامية”، بل دفع تعويضات لها. هل هذا ممكن؟ هل ينفع الأسلوب الإيراني هذا في التعاطي مع إدارة جو بايدن التي يفترض أن يكون فيها من يعرف تماما ما هي إيران؟ 

تكمن المشكلة بكلّ بساطة في أنّ إيران لا تستطيع أن تكون دولة طبيعية. لا تدرك أنّها لا تمتلك الوسائل التي تسمح لها بالبقاء إلى ما لا نهاية لا في سوريا ولا في العراق ولا حتّى في لبنان. أمّا اليمن، فهو مسألة أكثر تعقيدا لأسباب عدّة من بينها النجاح الذي حققه الحوثيون في تطويع المجتمع القبلي في الشمال وسيطرتهم على صنعاء. 

قد تنجح إيران في اليمن، خصوصا في حال بقيت السياسة الأميركية على حالها. مثل هذا النجاح مرشّح لأن يكون مؤقتا لا أكثر. في المدى الطويل، لا يمكن فصل اليمن عن الملفات التي ستفرض نفسها وهي ملفات مرتبطة بالصواريخ الباليستية والصواريخ المجنّحة الإيرانية وبسلوك “الجمهورية الإسلامية” خارج حدودها. بكلام أوضح إنّ الصواريخ والسلوك الإيراني مرتبطان عضويا بالملفّ النووي الإيراني. لا يمكن العودة إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني من دون أخذ في الاعتبار لملفي الصواريخ والسلوك الإيراني. هذا مطلب أوروبي إضافة إلى أنّه مطلب أميركي. 

مشكلة إيران في أن الرسائل التي تبعث بها إلى أميركا عبر السعودية ذات فائدة محدودة إلى حدّ كبير. فوق ذلك، إنّ الإدارة الأميركية يمكن أن تقدّم لها مغريات من هنا وهناك وهنالك، كما حصل أخيرا عندما أفرجت كوريا الجنوبية عن أموال مجمّدة عائدة إلى إيران. لكنّ السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا هل مقبول أن تكون المنطقة تحت الهيمنة الإيرانية؟ 

مثل هذا الأمر ليس طبيعيا نظرا إلى أنّ إيران تستطيع أن تهدم، لكنها لا تستطيع أن تبني. هناك فارق كبير بينها وبين أميركا التي تستطيع ممارسة لعبة الانتظار على الرغم من سقوطها في فخّ الحوثيين في اليمن. 

الأهمّ من ذلك كلّه أن العرب في الخليج، على رأسهم السعودية، ليسوا نكرة بغض النظر عن سياسات التهاون التي يمكن أن تمارسها واشنطن بين حين وآخر. لعلّ أفضل دليل على ذلك الدعم العربي السعودي – الإماراتي – الكويتي للثورة على حكم الإخوان المسلمين في مصر في حزيران -يونيو 2013. كانت إدارة أوباما متواطئة مع الإخوان المسلمين على مصر وشعبها وقتذاك. لم ينتظر الخليجيون ما تريده أميركا. فعلوا ما يتفق ومصلحتهم لا أكثر ولا أقلّ… وسيفعلون ذلك متى تطلّب الأمر الاعتراض على سياسة أميركية بعيدة كلّ البعد عن فهم اليمن وما يدور فيه. 

*إعلامي لبناني 

زر الذهاب إلى الأعلى