كشفت قناة السعيدة اليمنية مؤخرا عن مشروع سكني “يمن الخير”، يتم بنائه في محافظة لحج، جنوب اليمن. استقطع المشروع مساحات شاسعة من أراضي المحافظة بتمويل من منظمة خارجية تحمل اسم (IHCRO).
ويقع المشروع بالصحراء القريبة من قاعدة العند الجوية، بمحافظة لحج.
وفي حين قال صحفيون ونشطاء جنوبيون أنَّ المشروع يهدف لـ “إسكان النازحين من محافظة تعز، شمال اليمن، وإحداث تغيير ديمغرافي في محافظة لحج الجنوبية”، قال موظفون في المنظمة لـ “سوث24″ أنَّ المشروع مخصص لـ”بعض الأسر الفقيرة من أبناء محافظة لحج، وليس للنازحين”.
تحمل المنظمة اسم (Internationals Human Care And Relief Organization – IHCRO)، وهي منظمة تركية مقرها منطقة السليمانية، شارع الفاتح، في إسطنبول، وتدار من قبل شخصيات دينية، بحسب ما توصل له فريق البحث والتحقيق في مركز سوث24.
الموقع الرسمي للمنظمة على الويب (ihcro.org) يحمل اللغتان التركية والإنجليزية، في حين تملك المنظمة فرعا آخر في أستراليا.
تقدّم المنظمة نفسها على أنّها طوعية مستقلة لا تهدف للربح، وتتبنى العديد من المشاريع في عدة دول مثل أفغانستان، سوريا، الهند، واليمن.
افتتحت المنظمة مكتبها في اليمن أوائل يناير الماضي، في تعز، مطلع العام الحالي، وترأّس فرعها في اليمن الدكتور جلال الشرعبي، وهو رجل دين، كما يبدو، ويُعتقد قربه من جماعة الإخوان المسلمين- كما تُظهر حساباته الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي، وينتمي لمحافظة تعز، شمال اليمن.
ووجد فريق التحقيق بمركز سوث24 أنّ الشرعبي على صلة بقيادات حزب الإصلاح اليمني وقيادات عسكرية تابعة للحزب. سبق واجتمع الشرعبي بالقيادي في اللواء الخامس عدنان رزيق في مكتب المنظمة بتعز وكذلك في منزله الشخصي.
وجد فريق التحقيق في سوث24 منشورات للشرعبي يتعاطف فيها مع رجل الدين اليمني المثير للجدل، عبد الوهاب الديلمي، الذي توفي منذ أسابيع، والشهير بفتوى “تكفير الجنوبيين” في حرب 1994. لكن المنشور تم حذفه بعد أقل من ساعة من اطّلاعنا عليه.
غالبية طاقم المنظمة في اليمن، وكذلك مهندسو المشروع الذي ينفّذ بلحج، ينحدرون من محافظة تعز، كثير منهم ينتمي أو يناصر حزب الإصلاح الإسلامي، فرع التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في اليمن، وآخرون تجمعهم علاقات بشخصيات من هذا الحزب.
وجد فريق التحقيق في سوث24 أنّ المنظمة تبنّت توزيع سلال غذائية وخزانات مائية في محافظات شمال اليمن، كالحديدة وتعز، بالإضافة لإقامة مخيمات صيفية دينية للأطفال، وبناء مدارس ومساجد، وفقا لصفحتها الرسمية على موقع فيسبوك.
أقامت المنظمة “مظاهرة تضامنية” في محافظة تعز مع الفلسطينيين في قطاع غزة، إثناء الحرب بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، قامت خلالها بإخراج مسيّرات راجلة للأطفال من أحياء مدينة تعز، باتجاه مقر المحافظة، مايو الماضي.
افتتحت المنظمة فرعا لها في مدينة إنماء بعدن في 24 يناير كانون الثاني من هذا العام.
كما تبنّت أيضاً بناء مدرسة “الصحابة” الابتدائية في محافظة أبين الجنوبية.
وكشف مصدر محلي في محافظة أبين” أنّ المنظمة حاولت بناء وحدات سكنية مشابهة في المنطقة الوسطى بأبين، لكنّ الأهالي رفضوا ذلك، لأنّ المنظمة لم توضّح طبيعة قاطني هذه الوحدات.
وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنّ المنظمة لجأت بعد ذلك لشراء أراضي في قرية الشيخ سالم والمنطقة الوسطى بالمحافظة، الواقعتان تحت سيطرة القوات اليمنية الموالية لحزب الإصلاح.
المشروع السكني
يُقام المشروع على أرض خاصة بقبيلة “البعسس” بمنطقة كرش بمحافظة لحج بالصحراء القريبة من قاعدة العند الجوية، ويتضمن المشروع إنشاء 400 منزل (المرحلة الأولى 153 منزل)، بالإضافة إلى مدرسة ووحدة صحية ومسجد وبئر للمياه, وسوق للمواد الغذائية (سوبر ماركت).
وقال رئيس المنظمة في اليمن، الدكتور جلال الشرعبي، في رده على استفسارات بعثها له مركز سوث24، إنَّ المشروع “خاص بالأسر الفقيرة المشردة من أبناء تلك المنطقة، وليس للنازحين كما يشاع”.
وقال الشرعبي أنّهم في المنظمة حصلوا على “إذن خطي” من محافظ محافظة لحج، لبناء المشروع، وبتنسيق مع “مندوب المجلس الانتقالي الجنوبي” في تلك البلدة. حاول سوث24 الاتصال بالمجلس الانتقالي بمنطقة كرش، لكن هواتف المسؤولين هناك كانت مغلقة.
وأوضح الشرعبي أنّ المنظمة بنت “قرى سكنية لأناس يسكنون تحت الأشجار، عددهم يقارب 400 أسرة، وقمنا ببناء منازل لـ153 أسرة منهم”،
ووفقاً للرجل، فإنَّ المنظمة التي يرأس مكتبها في اليمن “أسترالية قد يكون لها فرع بتركيا، لكنّها ليست تركية”. وأوضح الشرعبي “ليس للمنظمة أي توجه سياسي ولا حزبي، وهي منظمة ليست ربحية”.
ويؤكّد الشرعبي أنّ المشروع “خاص بأبناء المنطقة، وليس للنازحين”.
ولم يتحصّل “مركز سوث24” على وثائق تُثبت صحة إفادات رئيس المنظمة، ولم نتلق رداً على طلب بالحصول على وثائق تثبت تمويل المشروع من قبل فرع المنظمة في أستراليا. على الرغم من جميع الأدلة التي تحقق منها مركز سوث24، تشير إلى أنّ منظمة IHCRO هي تركية الأصل ومموّلة من جهات تركية، ويعمل فيها متدينون ونشطاء الإسلام السياسي.
أهداف خفية
يُعرف عن تركيا بإدارتها الحالية، توظيف العمل الخيري والمنظمات الخيرية لصالح أجنداتها السياسية في المنطقة، وممارسة العمل الاستخباراتي من خلالها.
وتعتبر اليمن من أكثر البلدان التي تعزز تركيا حضورها فيها عبر بوابة العمل الخيري، والمنظمات الإنسانية، خصوصاً في مناطق وسط وشرق اليمن مثل (تعز، البيضاء، مأرب، شبوة) التي تسيطر عليها القوات الحكومية الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي.
تغطّي “المشاريع الخيرية” التي تتبناها منظمات مدعومة في تركيا نشاطاً مشبوهاً، تزامناً مع تحذيرات من تزايد الدور التركي في اليمن، وتمويل تركيا للميليشيات المسلحة المتطرفة الموالية للإخوان المسلمين، بالأموال والأسلحة.
ويحذّر نشطاء من عمليات تغيير ديموغرافية لطبيعة المدن الكبرى في جنوب اليمن، مع استمرار تدفق النازحين والمهاجرين، الذين يشكلون أحد أبرز الأزمات التي تواجه جنوب اليمن.
والجدير بالذكر إنَّ محاولات التغيير الديمغرافي هذه بدأت منذ الوهلة الأولى عام 1990 (عام تحقيق الوحدة بين دولتي الجنوب والشمال)، وتعزّز ذلك مع حرب اجتياح الجنوب عام 1994.
عمل نظام صنعاء عقب حرب 1994 على دمج مديريات شمالية كانت تابعة لتعز، بمحافظة لحج الجنوبية، وكذلك الأمر في محافظة الضالع، المجاورة لمحافظة إب الشمالية، وكذلك العكس.
وشكّك نشطاء جنوبيون من أبناء محافظة لحج بحقيقة كون المشروع السكني في منطقة كرش هو للجنوبيين من أبناء المحافظة، مؤكدين أنَّ “عملية منح بطائق هوية جنوبية لأبناء الشمال بين لحج وتعز مستمرة منذ ثلاثة عقود”.
وعبّر نشطاء عن سخطهم من صمت المجلس الانتقالي الجنوبي والأجهزة الرسمية والأمنية على نشاط بعض المنظمات التي تقدّم نفسها على أنها “منظمات إنسانية”.
قال مصدر مطلّع” أنّ أفراد نافذين بأجهزة الأمن وأجهزة الدولة الرسمية يحصلون على رشى لتمرير عقود ومشاريع بعض المنظمات”.
وقال المصدر “في عدن يسيطر نافذون من شمال اليمن على أراضي واسعة تعود ملكيتها لأهالي معوزين، ويتم حمايتهم من قبل جهات أمنية ورسمية في المحافظة.”
ولم يتسنّ لـ “سوث24” التواصل مع الجهات الرسمية في محافظة لحج وعدن، للتعليق على ذلك.