مقالات

إجلاء العمالة اليمنية من السعودية: بين عام 90 واليوم!

لا شك أن قيام السعودية بإجلاء المغتربين اليمنيين فيها. عام 1990م تسبب باستفحال الكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. التي ساهمت بعمق باندلاع حرب صيف 1994م، بكل تداعياتها وأبعادها الكارثية.! 

كما لا شك أن قيامها اليوم بتكرار نفس العملية، سيؤدي مجددا، على المدى القريب والمتوسط، إلى نفس النتائج، لكن بشكل أكثر عمقا وامتدادا، في بلد يعيش عمليا في جحيم من الأزمات والحروب والظروف المروعة.! 

في المرة الأولى: كان القرار السعودي مبنياً على تأويلات الموقف اليمني الرسمي من “حرب الخليج الثانية”، كان ملتبساً، وأياً كان الأمر، فقد بدا ذلك الالتباس -من وجهة نظر السعودية- انحيازا إلى الخندق الإقليمي المضاد.! 

هذه المرة: الصراعات والحروب الإقليمية الباردة والساخنة محتدمة على أشدها، بينما الدولة والحكومة اليمنية الرسمية المعترف بها دوليا، “الشرعية” محشورة أسفل الخندق الإقليمي والدولي للسعودية؟! 

بل إن اليمن اليوم أصبحت، فعلياً وأكثر من أي وقت مضى، “حديقة خلفية” لها بموجب وصاية دولية تقود بموجبها تحالفا دوليا عسكريا فيها، فضلاً عن كونها تستضيف منذ سنوات الرئيس والحكومة اليمنية في فنادق عاصمتها كعاصمة سياسية فعلية لليمن. ما يجعلها بنفسها تصنع القرار والموقف اليمني الرسمي.! 

بمعنى أن لا مبرر واضح وجيه من أي نوع أو درجة، للقرار السعودي الأخير.. إلا لو كان -كما يقول بعض المهتمين- استجابةً للخطابات المحرضة ضد المغتربين اليمنيين، كتصريح الشيخ “عبد الله صعتر”، عبر إحدى الفضائيات: “إن كثيرا من المغتربين اليمنيين يدعمون الحوثي”.؟! 

سبق لهذا الشيخ الإخواني أن حرض السعودية لإبادة الشعب اليمني في الداخل، بإصداره في بداية “عاصمة الحزم” فتوى بجواز قتل 25 مليون يمني، ليبقى فقط مليون شخص. ربما من الإخوان، أو من غير الحوثيين.! 

يرى هذا الشيخ المأفون أن حوالي 95% من اليمنيين. في الداخل والخارج، هم من الحوثيين، ويجب معاقبة هذه النسبة، بإبادتها في الداخل، وترحيلها من الخارج، ولا حاجة للإشارة إلى نظرته المقلوبة للنسبة، والعقيدة الفاشية الكامنة خلف مثل هذه الفتاوى والتصريحات.! 

غير أنه من غير المعقول أن دولة كبيرة كالسعودية، تبني سياستها تجاه اليمن، بناءً على خطابات ونزوات الجماعات الدينية، كالإخوان، أو الجماعة الحوثية التي تدعو المغتربين اليمنيين للعودة، وتعدهم بالنعيم. 

على صعيد متصل. يفترض بعضهم أن حرب السعودية على الحوثيين وصلت إلى جدار مسدود، وأنها  استسلمت ويئست من إبعاد هذه الحربة الإيرانية عن خاصرتها، وبدلاً من ذلك ستتصالح معهم وتسلمهم اليمن، كما فعلت أمريكا مع طالبان في أفغانستان. 

وفق هذه القراءة، فإن قيام السعودية بإجلاء العمالة اليمنية من أراضيها.. يأتي كخطوة استباقية لتحميل الحوثيين أعباء مستقبلية، وإغراقهم بأزمات تضعفهم وتسقطهم من الداخل.!  

لكن.. لماذا لا تبدأ السعودية أولاً بطرد الحكومة والنخبة السياسية اليمنية التي ثبت بأكثر مما ينبغي أنها أسوأ حكومة ونخبة سياسية في تاريخ اليمن على الإطلاق.؟! 

بعبارة أخرى: لماذا بدأت بطرد العمالة اليمنية. خاصة وأن هذه العمالة مفيدة لها، وتحتاج إليها؟ فبخلاف العمالة العضلية قبل عام 90، العمالة اليمنية الحالية هناك. في جزء مهم منها، من النخب العلمية والصفوة الأكاديمية اليمنية. 

بل إن السعودية بدأت بالذات باستهداف هذه الفئة الأكاديمية، قبل غيرها من الفئات اليمنية العاملة فيها، الأخبار الأخير بتراجع الجامعات السعودية عن فصل الأكاديميين العاملين فيها، لا تعني تراجع المملكة عن إجلاء العمالة اليمنية دونا عن بقية الفئات الأجنبية العاملة هناك، وبشكل خاص في مناطق جنوب المملكة. المناطق المحاذية لليمن.! 

قد يقول قائل، إن هذا من حق السعودية، وأنه يتم بمهنية بعيدا عن الأمور السياسية، ووفق خطط واستراتيجيات تنموية مسئولة لإحلال العمالة الوطنية المحلية بدلا من العمالة الأجنبية، أو ما يعرف بـ”السعودة”.! 

لا اعتراض على هذا الحق السيادي، وفي الواقع، معظم أساتذة الجامعات، في السعودية، ككل دول الخليج، من الأجانب، كذلك معظم الكوادر والخبرات العلمية والفنية والتكنولوجية التي تشكل فيها البنية الحالية لاقتصاد المعرفة. 

لكن هذا لا يترافق مع وجود بطالة مؤهلة للحلول محلها، ومن المؤكد أن الجامعات السعودية ستستبدل الأكاديميين اليمنيين، بأكاديميين أجانب من دول أخرى، ما يعني أن حجة “السعودة” ليست واردة في هذا المقام.! 

كما أن “إحلال العمالة الوطنية”. يتم في الوضع الطبيعي، دائما. بهدوء وبشكل تدريجي، وليس بهذا الشكل المفاجئ الجماعي الانتقائي.! 

من المؤكد، أيضاً، وهو الأهم. أن السواعد والعقول اليمنية العائدة لن تجد وطناً شاغراً لها، لتزيد من حدة مشكلة ستكون لها آثار وتداعيات أكثر كارثية منها في عام 90، ولن تقتصر هذه الآثار والتداعيات. هذه المرة على اليمن التي تكاد تنزلق تماماً في خندق “إيران” المستفيد الوحيد من أخطاء السعودية في اليمن والمنطقة.! .

زر الذهاب إلى الأعلى