أخبار العالمثقافة وفنمحليات

هل عاد الشعر إلى مكانته وتراجعت الرواية؟

يمن الغد – محمد الحمامصي 

يبدو أن السجال مازال متواصلا بين الشعر والرواية، في مفاضلات كرستها أكثر الجوائز المتكاثرة المخصصة للرواية وتراجع إلى حد الندرة في جوائز الشعر، وهو ما دفع الناشرين إلى إزاحة الشعر والتركيز على نشر الروايات، نظرا لما باتت تحققه من مقروئية، كلها ظروف من خارج الأدب، وهو ما تتبينه “العرب” في هذا الاستطلاع لآراء عدد من الشعراء والكتاب. 

ربع قرن أو يزيد ولا تزال مقولة زمن الرواية التي أطلقها الناقد المصري جابر عصفور مستمرة، ولا تزال المواجهة متواصلة بين الرواية والشعر، فالمشهد الإبداعي من جانب يشهد تحولا من الشعراء إلى كتابة الرواية، ومن جانب آخر هناك تجل وحضور واضح لشعراء جدد في كافة الأقطار العربية، بل يمكن أن نخص صعودا للمشهد الشعري في تونس والجزائر وسوريا وفلسطين ومصر والسودان وموريتانيا، الأمر الذي يكشف إلى حد بعيد زخم الحضور الشعري في مواجهة التدفق الذي يشهده نشر الرواية. 

كيف ترى المشهد؟ وهل يمكن القول إن الشعر عاد ليحتل مكانته على الرغم من قوة الرواية وسيطرة حضورها الإعلامي؟ أسئلة يجيبنا عنها عدد من الشعراء العرب. 

للشعر أفقه الخاص 

بداية يقول الشاعر والناقد المغربي عبدالهادي روضي “لا أعرف لماذا تعاد إثارة سؤال المواجهة المحتدمة بين الشعر والرواية، ومراوحة الذهاب من الشعر إلى الرواية، وأسبابها ونتائجها، صحيح ثمة ظاهرة انسحاب الكتاب من كتابة الشعر باتجاه كتابة الرواية لأسباب متعددة، أعتبر البحث عن القيمة المالية لجوائز الرواية راهنا سببا مباشرا وراء الانسحاب ذاته، بالإضافة إلى جشع الناشر ودور الطبع العربية الذين صاروا يمجدون طبع الأعمال الروائية تحديدا، مقابل تبخيس ‘بضاعة‘ الشعر”. 

الضوي محمد الضوي: 
الثورات العربية أعادت للشاعر العربي المنشد فتوته وعنفوانه

ويتساءل الشاعر هل “بضاعة” الشعر راهنا لم تعد تلبي حاجيات القارئ على المستوى الموضوعاتي والجمالي إلى حد تجعل هجرة الشعر مصيرا حتميا؟ مجيبا بأنه لا يعتقد ذلك. 

ويضيف “من منطلق تجربتي الشعر هو لغة وجدان الأمة العربية وضميرها ولسان حالها، وإن شئتم ابحثوا عن أرقام الإصدارات الشعرية التي تطبع على مستوى نفقة الكتاب أنفسهم سنويا هنا وهناك، أعرف أن هذه الكثرة لا تحجب ضحالة الكثير منها، وهو أحد أسباب تهميش الشعر استهلاكيا من قبل الناشر، والرواية نفسها، بما في ذلك بعض التجارب الفائزة بجوائز عربية كالبوكر، لا تخلو من الشحوب مبنى ومعنى، لذلك كله، أعتبر أن الذهاب إلى الرواية أو البقاء في أحضان الشعر مسألة اختيار الكاتب، ولا ضير أن يزاوج الكاتب بينهما، كلما امتلك آليات الكتابة الروائية والشعرية معا”. 

ويؤكد الشاعر والروائي علي عطا أن الشعر لم يفقد مكانته. ويرى أن دور النشر لا تفضل الشعر لأسباب تجارية. فلأسباب لا علاقة لها بأن الرواية أفضل من الشعر، لا يزال الجمهور الواسع، إذا جاز التعبير يفضل قراءة الرواية على قراءة الشعر. وهذا أمر مفهوم بما أن جمهور الشعر الجيد هو دائما جمهور نوعي. وغير صحيح أن الرواية أزاحت الشعر لتأخذ مكانته، فلم يحدث أن الرواية باتت هي ديوان العرب، وفقا لمقولة الناقد جابر عصفور والتي انساق كثيرون وراءها دون تمحيص أو تأمل موضوعي للأثر الأكثر عمقا في الوجدان العربي. 

ويضيف “لا يزال للشعر حضور يتجدد من جيل إلى جيل للمتنبي وأبي العلاء، وحتى صلاح عبدالصبور ونزار قباني. للشعر أفق يختلف عن أفق الرواية. وأفق الشعر أرحب وأمضى أثرا في الوجدان وفي المخيلة. ويمكن أن نلاحظ في هذا الصدد أن الشعراء أثبتوا أنهم قادرون على أن يبرعوا في كتابة الرواية. والأمثلة لا يتسع لها المقام. ولكن لم نسمع بعد عن روائيين نجحوا في كتابة شعر جيد، يمكنه أن يعيش ويؤثر عبر الأزمان”. 

مؤمن سمير: 
تسليط الضوء على شكل أو فن ما لا يعني قتل غيره

ويلفت الشاعر اليمني أحمد عباس إلى أن دخول الشعر في السجال بين الأجناس الشعرية منذ منتصف القرن الماضي جعل قراءه ينقسمون على أنفسهم، وما أن بدأ الخلاف ينسى وخفتت حدة السجالات بين هذه الألوان الشعرية حتى ظهرت الرواية، وتعززت مكانتها، فأقبل عليها الكتاب والقراء على حد السواء وكأنهم وجدوا ضالتهم المنشودة، أيضا عادت تلك السجالات المحتدمة بين الألوان الشعرية خاصة بعد رجوع القصيدة العمودية بشكل لافت وقوي، ووجدت لها قبولا جماهيريا تحتشد به لإبراز تفوقها على بقية الأجناس الشعرية. 

ويضيف “أصبحت البرامج التلفزيونية التي تقدم أموالا طائلة تتحيز للون دون آخر، وبدا وكأن بقية الألوان الشعرية هزمت أمام القصيدة العمودية التي عادت بقوة وتدور في فلك دار حوله كل شعرائها عبر كل العصور، فاتجه العديد من الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر إلى كتابة الرواية، وكأنه تعبير عن استسلامهم أمام الموجة العاتية التي أعادت العمود ليحمل خيمة الشعر العربي دون منازع”. 

ويتابع “أيضا الشعر في الفترة الأخيرة التي سبقت عودة قصيدة العمود أصبح يفتقر للأسماء الكبيرة والجماهيرية، وغاص في عوالم وتهويمات نفرت الجمهور، وأصبح جمهور الشعر نخبويا أكثر وأكثر، لكن في تصوري أن موجة العمود ستهدأ ويعاود الشعر فرض نفسه بكل أشكاله بوصفه ديوان العرب الأول، ومستودع أفكارهم وآمالهم والمعبر عن مكنونات نفوسهم، وسيكون جنبا إلى جنب مع الرواية التي لا تخلو هي الأخرى من نفس شعري تكتب به من قبل معظم من هجروا الشعر إلى الرواية”. 

ويؤكد الشاعر والأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح أن الشعر لم يغب كي يعود. ويضيف “إن بدا ثمة حضور للرواية العربية، إنما ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال خفوت وهج الشعر وسحره، وقد كشفت حركية تطور الأنواع الأدبية عن مرونة في إمكانية تعايش الأنواع جنبا إلى جنب وانسلالها، من دون أن يلغي نوع نوعا آخر”. 

سيد محمود: 
الجوائز دفعت الناشرين للتنافس والإقبال على نشر الرواية

ويضيف “صحيح ثمة أنواع يخفت بريقها وتوهجها واستخدامها، إنما هذا يبقى رهن حالة الحدث التاريخي، وقوة تأثيره الاجتماعي. لذا بدا في وقت ما، بروز لافت للرواية بسبب وجود ظرف تاريخي ساهم ببلورة هذا التوجه، فبرز نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وتوفيق يوسف عواد وحنا مينا وعبدالرحمن منيف والطيب صالح وغيرهم في مرحلة التحولات الكبرى التي عاشتها المجتمعات العربية. لكن في المقابل، لم يغب الشعر عن هذه المشهدية، فبرز نزار قباني وأدونيس وخليل حاوي ومحمد الماغوط ويوسف الخال ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب وأمل دنقل وصلاح عبدالصبور ومحمود درويش وغيرهم للتعبير عن مرحلة التحولات الكبرى تلك”. 

وبالتالي، يقر بأنه لا يمكن الركون إلى مقولة جابر عصفور، واتخاذها قاعدة للمشهد الثقافي العربي. إن المسألة لا علاقة لها بالنوع كنوع أدبي يحمل مكونات فكرية وثقافية وأسلوبية وخصائص ما، إنما المسألة ترتبط بالمبدع أولا وأخيرا، فهناك شاعر يقدم شعرا عظيما، وهناك روائي يقدم رواية عظيمة، وكلما زاد عدد المبدعين في نوع أدبي ما، كلما زاد مدى تأثيرهم في تشكيل المشهد الثقافي. لذا يخال المتابع أن نوعا أدبيا ما قد تقدم على نوع آخر. 

عقدة النشر والإنشاد 

يرى الشاعر عبدالوهاب الشيخ أن الشعر على مدى العصور هو الفن الوحيد القادر على التعبير عن جوهر التجربة الإنسانية، وكل الفنون تطمح لتحقيق درجة من الشعرية تحقق من خلالها كمالها. ومقولة زمن الرواية “كلاشيه” تم تجاوزه وقت انتشاره، فقد كنا نعيش بالفعل زمن المسلسل التلفزيوني الذي استطاع من خلاله قاص بموهبة أسامة أنور عكاشة أن يحقق على مستوى المعالجة الفنية والانتشار ما لم تحققه له القصة، وهذا ما التفت إليه مبكرا نجيب محفوظ في حواراته، والذي عمل كاتبا للسيناريو في العديد من أفلام صلاح أبوسيف. 

 إن الشعر، في رأيه، حاضر من خلال الأصوات الشابة التي تعرفت على تجربتها وطورتها من خلال وسيط جديد إلى جانب الكتاب هو النت خاصة شبكات التواصل الاجتماعي التي أتاحت للشعراء الشباب التعرف على تجارب عديدة من بلدان مختلفة وحلت عقدة النشر والانتشار من خلال ضغطة على لوحة المفاتيح فحققت بذلك عنصرين من أهم عناصر الإبداع وهما الممارسة والاحتكاك. 

محمد عبده الشجاع: 
يجب أن يصل العربي إلى مقولة إنه زمن النقد

ويتابع الشيخ أنه من خلال صفحة بيت النص على الفيسبوك تعرف على أصوات شعرية عديدة شابة ومميزة ساهمت في تقديمها قدر المستطاع منها مثلا: نسرين المكي من تونس، أسماء الجزائري من الجزائر، ساندي عيسى من سوريا، نورا عثمان من مصر، إيناس سلطان من فلسطين، إبراهيم مالك من موريتانيا، حفظ الله الشرجي من اليمن، علي ضمد من العراق وعشرات لا تحصرهم الذاكرة. 

ويتابع “لقد ساهمت تقنية النص المفتوح والكتابة دون التفات لنموذح أو وفق قواعد سوزان برنار التي حصرت قصيدة النثر، وأعاقت انتشارها في عالمنا العربي حتى أتت أجيال أقل حفاوة بالتنظير وأكثر احتفاء واحتكاكا بالحياة ومعطياتها كتبت نفسها وطرحت رؤاها تاركة لطبيعة التجربة وحدها أن تفرض الشكل المناسب للتعبير عنها. إن قصيدة النثر ذلك الشكل الهجين الذي يجمع سردية القصة وتحليق الشعر ربما يكون هو الفن الأكثر تعبيرا عن وقتنا الحاضر بشرط توافر مواهب عظيمة كالتي ساهمت قبلا في تحولها من الهامش إلى المتن، مواهب بحجم موهبة الماغوط وسركون بولص ووديع سعادة يمكنها أن تمنح الشعر حضورا أغنى وتجدد قدرته على التعبير عن كوامن النفس البشرية ومعاناتها وأحلامها وأوهامها في الحاضر وما مضى من قرون”. 

ويلاحظ الناقد والشاعر الضوي محمد الضوي أن الحالة الثورية التي مهدت لها كبوات كثيرة على كافة الأصعدة في أقطارنا العربية على مدار سنوات عديدة، والتي اندلعت على إثر تراكمها ثورات الربيع العربي قبل عشر سنوات، أعادت للشعر صوته الذي كان قد تاه بين الجموع الصامتة، التي تقرأ الرواية صامتة، وتأتلف والحكي صامتة، تتابع بأعين صامتة مكلومة واقعها، وتكابد مرارته دون أن تجاوز الصمت القرائي لصرخة الشعر الحية. 

ويرى أن الثورات العربية أعادت للناس رغبتها في السماع، وأعادت للشاعر العربي المنشد فتوته وعنفوانه، أيا ما يكون شكل ما يكتبه أو يقوله، لقد تجاسر شعراء النثر مثلا على إنشاد قصائدهم في المحافل، والترنم بل والتغني بها، وإن خلت من عروض الخليل، مرتكزين إلى إمكانات اللغة التي تخلق إيقاعات موازية تقوم على تكرار القيم والبُنى الصوتية. 

عبدالهادي روضي: 
الذهاب إلى الرواية أو البقاء في أحضان الشعر اختيار الكاتب

ويضيف “لقد أنشد الشعراء، شعراء الموزون والنثر، في سنواتنا العشر الأخيرة في بلداننا العربية، متغنين بالأوطان والحرية، وبالعدالة، والبناء، بالإنسانية والحب، بدأ الأمر بتونس، ولم ينتهِ بالسودان، هذه الحالة لا تستطيع الرواية، دون الشعر، التعبير عنها أو استيفاءها، لأن الرواية أولا وأخيرا فن قرائي، أما الشعر ففي أطوائه سحر الشفاهية العظيم، سحر الأداء الصوتي والجسدي، سحر يتناغم مع اندفاع أجساد الجموع التي جاشت وتجيش في مقابل رغبة البعض في سُباتها. فوق كل هذا فالنص الشعري، وإن طال، قصير إذا قورن بالنص الروائي، وهو ما يجعله أكثر تعبيرا عن سرعة الحياة، ومواءمة لإيقاعها الهادر، بالتالي فبإمكان المرء أن يلتهم ديوانا شعريا في نصف ساعة أو أقل، وهو ما لا يتأتى له مع الروايات”. 

ويخلص الضوي “إلى أن حالة الثورة التي مازلنا في أجوائها وإن اتخذت تشكلات مختلفة عن صورتها الأولى، تناسب مناسبة تامة جوهر البناء والطرح الشعري، وحالة الفن الشعري، لعل كل هذا سبب لانتشار ما يُعرف بالحفلات الشعرية، هذه الحفلات التي يمتزج فيها إنشاد الشعر بالموسيقى وبالأداء التمثيلي، حتى غدا هذا النوع من الحفلات يجتذب المزيد من الجمهور، حتى العوام، كما غدا جمهور الأمسيات الشعرية النخبوية أكبر وأكثر تنوعا مما مضى، لهذا فظني أن أستاذنا د.جابر عصفور لو أُتيحت له إعادة النظر في مقولة كهذه الآن، واستقراء لسنوات عشر مرت، لما وسعه إلا أن ينحيها جانبا، مؤمنا بأن الزمن زمن الشعر، أو على أقل تقدير، أن الشعر ظل دائما -إن لم يكن بطلا للمشهد الأدبي العربي على امتداده الزمني- جارا لغيره من الفنون الأدبية، لم يترك مكانه لغيره أبدا”. 

ويتساءل الشاعر مؤمن سمير هل من المنطق أن يؤدي ازدهار شكل أدبي ما، في لحظة حضارية ما، إلى القضاء على شكل أدبي آخر؟ وكأننا هكذا نكون نتعامل مع رفوف محل تجاري، فنزيح بضاعة من الرف الأول ونضع نوعا آخر في بداية الموسم ثم نعكس الموضوع في بداية الموسم التالي؟ 

ويضيف “كل الأشكال الأدبية تظل دائما ومهما جرى، متجاورة لأن المتلقي ليس كيانا متعينا ثابت الرغبات، إنه تعبير عن الاختلاف الطبيعي في كل شيء. وهكذا يظل لكل شكل مريدوه وطلابه الذين تتوافق ذائقتهم مع بنيته وجمالياته. فقد بشَّر المفكرون الغربيون بعصر الصورة وكذلك عصر التلفزيون ثم عصر اليوتيوب تمييزا منهم بين التوجهات والسمات التي تسم مرحلة حضارية ما عن الأخرى، ولكنهم يدركون ويؤمنون بمبدأ أن تسليط الضوء على شكل أو فن ما لا يعني مطلقا إزاحة الأشكال الأخرى وقتلها”. 

علي عطا: دور النشر لا تفضل الشعر لأسباب تجارية

ويتابع سمير “عندنا الأمر متخلف وهستيري للأسف، فعندما تُطلق صيحة تبشر بزمن الرواية، ترى التنظيرات المتحمسة التي تسارع لبناء نتائج من قبيل موت الشعر وما 
ذلك من أوهام، ثم تدخل المؤسسات على الخط فتكرس جوائز ضخمة للرواية ويساهم الناشرون كذلك ويروجون لمقولة ‘الشعر لا يبيع‘، لكن رغم كل هذا يمارس الشعر دوره وتطوره واتساعه ببساطة، فنكتشف يوميا تجارب شعرية لافتة ويظل الحراك الشعري والتوهج والتنوع سمة لم تتوقف على الإطلاق، بل ساهمت وسائل الاتصال في تسهيل التعاطي والاكتشاف والتفاعل واكتشاف زيف العبارات التي ربما لم يُقصد بها إلا إلقاء حجر في بحيرة الحياة الثقافية أقول هذا كي لا أقول إن الهدف كان هو الفرقعة الإعلامية”. 

حماس أقل للرواية 

ينفي الشاعر سيد محمود وجود صراع بين الرواية والشعر ويقول “الشعر فن خاص، على الأقل في النصف قرن الأخير، ليس من مهمته البحث عن جمهور، والرواية منسجمة مع فنون أخرى بحكم اتساعها واتساع طبيعة جمهورها، وما أعلمه جيدا أن النقاد والناشرين يراجعون الآن موقفهم من الرواية، فكثير من الناشرين الآن أقل حماسا للرواية عن ذي قبل، حيث أن الدفع بالرواية كان مرتبطا بمسألة ذات صلة بالجوائز، فالجوائز دفعت الناشرين للتنافس ومن ثم الإقبال على نشر الرواية”. 

ويضيف “إن التفاعل بين الرواية والفنون البصرية والأمور المتعلق بالسرد السينمائي وغير ذلك من التفاصيل، كما أن التحولات التي مرت بها الطبقة الوسطى جعلت من السرد الشكل الأنسب، وتلاحظ أن الجوائز التي كانت تقدم للشعر في السنوات الأخيرة تقريبا لم يعد لها وجود باستثناء جائزة العويس، وهذا يكشف المأزق الذي يعانيه الشعر في علاقته بالسوق وهو الأمر الذي ينبغي وضعه في الاعتبار”. 

كامل فرحان صالح: 
حضور الرواية العربية لا يعني خفوت وهج الشعر وسحره

ويلاحظ أيضا أن الجوائز التي تقدم للشعر العربي ومنها جائزة المجلس الأعلى للثقافة في مصر لا تستطيع أن تدفع بشاعر إلى منصة التتويج، هي فقط تكرس لتجربة فنية مستقرة بالفعل، فالأسماء التي نالت جائزة الشعر العربي منذ انطلاقها أسماء متحققة بتجربة طويلة وتحظى بتقدير كبير، في حين أن الجوائز خاصة في الشعر ينبغي أن تقدم لأصوات شعرية في سبيلها للتحقق ليتم تكريسها والاهتمام بما أنجزته بالفعل أو ما هي بصدد إنجازه فساعتها ستكون الجائزة ذات معنى وقيمة. 

يشير الشاعر والروائي اليمني محمد عبده الشجاع إلى أن مقولة الناقد جابر عصفور كانت تمهيدا لمرحلة عربية حقيقية في عالم الرواية والتي لا تزال تمنحنا من وقت لآخر شيئا جديدا وهي حافز مهم كان قد استفز ذهنية الحكّاء العربي حتى يخرج طاقته الإيجابية السردية في تجسيد الحياة من أجل التماثل ومنافسة المشهد السردي العالمي. 

لكن الحقيقة، في رأيه، أن هذا الطرح بحاجة لطرف ثالث يحدد مكامن القوة والزوايا المضيئة أكثر في هذا التوقيت هل الشعر وهو حالة عربية متقدمة كما أسلفت أم الرواية وهذا الطرف هو “الناقد” المتخصص أو الناقد القارئ والمتتبع للمشهد. هناك تدفق شعري في الدول التي ذكرت وحتى في اليمن الذي لم يذكر في السياق فقد ظهرت مجموعة من الشباب الذين يكتبون العمود بغزارة وصورا مدهشة لكن الملل من العمود وصل ذروته فقط هم بحاجة لاجتراح مسار يكون صوته عاليا خاصة وأن لديهم إمكانيات هائلة. 

عبدالوهاب الشيخ: 
الشعر حاضر عبر أصوات شابة تعرفت على تجربتها وطورتها

ويؤكد على ضرورة البحث عن الناقد في هذا الصراع ليس ليحدد كفة من الراجحة وحسب وإنما من أجل إثراء المشهد بأعمال متينة سواء كانت شعرا أو رواية لأن عمل النقد والناقد واشتغالاتهما معروفة وإن تعددت التعريفات، لكنها في صورتها النهائية مهمة ضرورية، لذا يجب أن يصل العربي إلى مقولة “إنه زمن النقد”. يجب أن يكون هناك حراك غير عادي في هذا المجال وهنا فقط أذكر بأن مرحلة “زمن الرواية” صاحبه أيضا “المرايا المقعرة والمرايا المحدبة والخروج من التيه” للناقد عبدالعزيز حمودة لذا حضور الناقد مهم جدا ليس في الأدب فقط وإنما في الموروث والإنتاج عموما. 

*كاتب مصري 

زر الذهاب إلى الأعلى