موجة عاتية لفيروس كورونا تداهم اليمن الفاقد للمناعة “ارتفاع مرعب لعدد الحالات”
يواجه اليمن منذ مطلع أغسطس الجاري موجة ثالثة من وباء كورونا في ظل قطاع صحي منهك وأوضاع اقتصادية وأمنية بالغة الصعوبة، وسط تحذيرات من عواقب وخيمة في حال عدم وضع معالجات سريعة للجائحة.
وأخيرا ازدادت حالات وباء كورونا بشكل ملحوظ في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة بعد انحسار كبير خلال الأشهر الأخيرة، فيما استمر الحوثيون بالتحفظ عن إعلان أي حالات للوباء في المناطق الخاضعة لهم والتي تحوي تجمعات سكانية كبيرة.
وبدأت الموجة الأولى من وباء كورونا باليمن في أبريل 2020 فيما الموجة الثانية برزت في مارس 2021. وحتى مطلع هذا الأسبوع، ارتفع إجمالي إصابات كورونا في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية إلى 7539 بينها 1420 وفاة و4670 حالة تعاف.
ومنذ بداية الجائحة لم تكشف جماعة الحوثي سوى عن إحصاء واحد إذ أعلنت في 18 مايو 2020 حدوث 4 إصابات بينها حالة وفاة وسط اتهامات شعبية ورسمية للجماعة بإخفاء أعداد المصابين في مناطق سيطرتها.
وتأتي الموجة الجديدة فيما تم تطعيم 360 ألفا فقط من سكان البلاد البالغ عددهم 30 مليونا جراء افتقار البلاد إلى جرعات كافية من اللقاح.
ويقول مراقبون إن الأرقام المعلنة حول حالات كورونا ليست إلا جزءا يسيرا من الواقع بسبب عدم ذهاب معظم المصابين إلى المستشفيات جراء الفقر وضعف الثقة بالقطاع الصحي غير المتطور.
وفي مايو الماضي أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة يونيسف أن الوباء أدى إلى وفاة ربع اليمنيين المصابين بالفايروس المتحوّر، في أعلى نسبة وفيات في العالم مقارنة بحجم الإصابات.
خلال الأيام الماضية أصدرت الحكومة اليمنية عددا من القرارات لتقوية قدرات القطاع الصحي لمواجهة الموجة الثالثة من كورونا، بما في ذلك إعادة فتح وتفعيل عمل مراكز العزل المتوقفة منذ أشهر ووضع آليات صرف حوافز العاملين فيها.
وأقرت الحكومة التسريع في إجراءات الانتهاء من تركيب بعض مصانع الأوكسجين وحثت على تكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية في استمرار العمل بالاحترازات الوقائية والطبية للحدّ من تفشي الوباء، وأهمية استشعار الجميع لمسؤولياتهم وعدم التهاون.
وقال وزير الصحة قاسم بحيبح إنه “تم رفع الجاهزية في جميع مراكز العزل والاستعداد بأقصى طاقتها”، بينما وجه مدير مكتب الصحة العامة والسكان بمحافظة تعز بجنوب غرب اليمن راجح المليكي مراكز العزل في المحافظة إلى رفع جاهزيتها والاستعداد بأقصى طاقتها الممكنة لمواجهة الموجة الثالثة من وباء كورونا المستجد خلال الفترة المقبلة.
ووجه محافظ حضرموت شرقي اليمن فرج البحسني بإعادة تفعيل لجنة الطوارئ في المحافظة الأكبر مساحة في البلاد لمواجهة الموجة الثالثة من الوباء.
وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير نشرته مطلع الشهر الجاري إن “الوباء تسبب بخسائر فادحة في اليمن البلد الغارق بالفعل في أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدا وخطورة في العالم”. واعتبر التقرير أن “الأرقام المعلنة في اليمن لا تعكس صورة دقيقة عن العدد الفعلي لحالات الوباء بسبب نقص الإبلاغ عن الحالات وضعف في تقدير مدى انتشار المرض”.
وقال ياسين عبدالملك الشريحي مدير إدارة ترصد الأوبئة في مكتب وزارة الصحة بتعز أكثر المحافظات اليمنية سكانا إنّ “الموجة الثالثة من كورونا لها تأثير كبير على الوضع الصحي المتدهور جراء تداعيات الحرب والحصار”. وأضاف لوكالة الأناضول “يعمل أغلب موظفي مراكز العزل بالأجر اليومي فيما أغلبهم انسحبوا من العمل بسبب عدم صرف مستحقاتهم منذ بداية العام الجاري”.
ولفت إلى أنّ “هذه الموجة قد تكون لها تأثيرات كبيرة على السكان خصوصا مع استمرار الناس بعدم الالتزام بالإجراءات الوقائية جراء الفقر وحاجتهم الدائمة إلى الخروج للعمل والاختلاط المستمر”. وتابع “أغلب حالات هذه الموجة تحمل أعراضا تختلف عن الموجة الأولى والثانية، إذ يبرز نقص حاد بالأوكسجين لدى المريض”، مضيفا “تأتي هذه الموجة وما زلنا نعاني من نقص شديد في توفير الأوكسجين وعدم توافر الكوادر والأدوية ما يزيد من شدة المعاناة في ظل ارتفاع جنوني في أسعار المستلزمات الطبية والعلاجية جراء انهيار العملة”.
رأى أحمد الصهيبي الصحافي والباحث في الشؤون الإنسانية أنّ “العودة المفاجئة لحالات الإصابة بوباء كورونا بعد أشهر من انحسارها باليمن جاءت بسبب الإهمال المتمثل في التوقف الفوري عن التوعية والأخذ بالإجراءات الاحترازية وإغلاق الكثير من مراكز الحجر الصحي في البلاد”.
وأضاف “المجتمع الدولي يتحمل جزءا من المسؤولية بتأخره في إرسال الجرعات المتبقية من اللقاح وبإرساله كميات غير كافية من الجرعة الأولى، فيما يتحمل المواطن جانبا آخر من المسؤولية بعدم إقباله على التطعيم بشكل واسع، خاصة من جانب كبار السن وذوي الأمراض المزمنة”.
وإشار إلى أنّه “خلال الفترة الماضية ظل الكثير من المواطنين يحذرون السكان من أخذ جرعات اللقاح ويزعمون أنها قد تسبب لهم الوفاة، ما جعل التطعيم يقتصر بشكل أساسي على الذين يسافرون خارج البلاد”.
واستطرد قائلا “لا نغفل في الوقت ذاته المقاطعة غير المبررة من جانب جماعة الحوثي لجرعات اللقاح في مناطق سيطرتها إضافة إلى عدم إعلانها عن حجم الإصابات والوفيات ليتسنى للجهات المعنية تقييم الوضع الصحي في البلد بناء على ما يتم الإعلان عنه”.
وحذر الصهيبي من أن “استمرار الوضع على ما هو عليه من دون اتخاذ إجراءات وقائية شاملة في ظل الوضع الصحي الكارثي الذي يشهده البلد، قد يتجاوز حجم الخسائر البشرية أضعاف ما تمّ تسجيله في الموجتين السابقتين من الوباء”.