انطباعات مشاهد: مونديال عربي استثنائي وتتويج مستحق لمحاربي الصحراء
النسخة العاشرة من بطولة كأس العرب في الدوحة بكل تأكيد أدهشتني وأجبرتني كي أتابع تفاصيل التفاصيل ، تنظيم رائع ، ملاعب حديثة أبهرتني من جهة تصاميمها المبتكرة الجامعة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل ، وسائل إعلام ناقلة للمباريات وبتقنيات واحترافية عالية ، تحكيم يضاهي مونديال كأس العالم ، وعلاوة عن الملاعب والإعلام والتحكيم ، حظيت بطولة العرب باهتمام كبير من أعلى مستويات لعبة كرة القدم ، فلأول مرة تقام برعاية وإشراف من الاتحاد الدولي ” الفيفا ” .
لم أحدثكم بعد عن طبيعة المنافسة بين المنتخبات العربية ، إذ أن المنتخبات العربية ال١٦ المشاركة لم تأت إلى قطر لإسقاط واجبها مثلما كان حالها في البطولات التسعة السابقة ، فبإستثناء منتخب السعودية الذي شارك بالفريق الرديف – وأجزم أن الإتحاد السعودي ندم على قراره بعد المشاركة الباهتة – كافة المنتخبات لعبت بمنتخبها الأول وان تخلف البعض مثل محمد صلاح وتريزجيه من المنتخب المصري ويوسف محرز وآخرون من المنتخب الجزائري .
خاضت الفرق مباريات الدور الأول ، فلم أشعر لحظة بالملل يتسرب إلي ، فحتى المنتخب السوداني والموريتاني اللذين تلقا شباكهما درزينة اهداف من تونس ومصر في أول مباراتهما استفاقا وقاوما بشراسة في بقية المباريات .
بطولة كشفت حقيقة أنه لا يوجد كبير او صغير في لعبة كرة القدم ، فبقدر ما يكون اعدادك وتهيئتك بدنيًا ونفسيًا ستكون كبيرًا في الملعب ، تجلّت هذه الحقيقة ماثلة في مباريات مصر والأردن وتونس وسوريا وفلسطين والأردن وتونس وسلطنة عمان وقطر ومصر ..
نشامى الأردن أحرجوا مصر وكادوا أن يجبروها على الخروج من الدور الأول ، إذ باغتوا الفراعنة بهدف جميل ومن خارج خط الثمانية عشرة ، وكادوا يضيفوا اخر وفي مستهل الشوط الأول ، ولولا عامل الخبرة واللياقة لما عادت مصر وسجلت التعادل ، ومن ثم الذهاب الى الوقت الإضافي وتمكن الفراعنة من إحراز هدفين خلال الشوطين الاضافيين وبصعوبة بالغة .
كما وتلقى نسور قرطاج ” تونس ” أول هزيمة لهم من نسور أقسيون ” سوريا “، وفازت موريتانيا على سوريا بهدف قاتل سجل في الوقت بدل الضائع .
النسخة العاشرة من بطولة كأس العرب هي العاشرة في تاريخ البطولة التي أقيمت أول نسخة منها عام 1963م في لبنان وفاز بها تونس ولم تزد المشاركة فيها عن مجموعة واحدة ، بينما النسخة التاسعة جرت في السعودية ٢٠١٢م وتوج بها المنتخب المغربي .
ويعد المنتخب العراقي الأكثر إحرازا للألقاب برصيد 4 ألقاب وفازت السعودية بلقبين ولقب واحد لكل من تونس ومصر والمغرب والجزائر .
وأحتضن استاد “البيت” المونديالي في مدينة الخور القطرية نهائي النسخة العاشرة من البطولة العربية للمنتخبات،وجرت أحداث اللقاء وسط حضور جماهيري قلما رأيناه في أي بطولة عربية ، وحضره أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، إلى جانب رئيس الاتحاد الدولي الفيفا ، السيد جياني إنفانتينو .
مباراة القمة بين الجزائر البطل وتونس الوصيف ، كانت بطولة بحد ذاتها ، لعب رجولي قتالي بدني وان حفل أحيانا بالخشونة الزائدة ، لكنها هكذا الكرة الأفريقية ، ومع كل ما يقال وسيقال قدم المنتخبان عرضا كرويًا مثيرًا وممتعًا . مباراة مفتوحة منذ صفارة البداية ، ورأينا فيها مهارات فردية وتكتيك حديث وانضباط عال في واجبات اللاعبين ولحد انك لا تعثر عن اختلالات في منظومة الفريقين ، دفاعًا وهجومًا ووسطًا واسنادًا .
مباراة التتويج عادة ما تكون حذره ، ونادرًا ما تكون مفتوحة ، كما وغالبًا ما تلعب على التفاصيل وعلى اللياقة البدنية ، فبرغم أن التعادل السلبي كان حاضرا طوال شوطي المباراة إلَّا أن أحدا لم يشعر بالملل ، إذ كان الأداء في الميدان كاسرا لرتابة السأم ومحفزا للمتابعين كي يتفاعلون ويتابعون ويقلقون ويتطلعون بشغف لنهاية سعيدة لهذا الماراثون .
وللأمانة والإنصاف كان المنتخب التونسي مذهلًا قلب توقعات كل الذين رشحوا المنتخب الجزائري ، كان الأفضل في استحواذه ، وان لم يكن الأخطر في هجماته خلال الشوط الأول ، وكان قاب قوسين من إحراز هدف أو هدفين ، لولا حظه ولولا إضاعة فرصه ، رغم الرقابة اللصيقة بقناصه مهاجم الزمالك المصري سيف الدين الجزيري .
ذهبت المباراة إلى الشوطين الاضافيين ، وهناك تجلت المفاجئة الساحقة ، إذ قدر للمهاجم البديل أمير سعيود ، التسجيل من خارج خط الثمانية عشر ، وسط ذهول وحيرة نسور قرطاج الذين لم يستسلموا وعادوا للمباراة وقدر لهم مهاجمة مرمى الرايس مبولحي إلَّا أن تلك الهجمات كانت تنتهي عند أقدام محاربي الصحراء أو بين يدي الحارس .
ولا يعني أن أفضلية تونس في الاستحواذ تنسينا ما أطلقه رفاق السفاح بغداد بونجاح من تهديدات على مرمى المعز حسن ، إذ كان الثلاثي بغداد وبلايلي وإبراهيمي بمثابة صداع متواصل لجبهة نسور قرطاج الخلفية ، فبرغم الحيطان المنيعة الموضوعة لشل فاعلية هجوم المحاربين إلا أن الثلاثي المرعب وبمساندة زملائهم تمكنوا من اختراق تلك التحصينات وبصعوبة بالغة ، وتارة من خلال التسديدات البعيدة ، دونما يتسنى لهم في الحالتين الوصول لشباك المعز حسن .
.
هداف وافضل لاعبين في المونديال ..
ياسين إبراهيمي نال الكرة الذهبية كأفضل افضل لاعب في المونديال ، ومنح زميله يوسف بلايلي الكرة الفضية ، وأكرم عفيف حصل الكرة البرونزية ، فيما نال المهاجم التونسي سيف الدين الجزيري الحذاء الذهبي كهداف البطولة بأربعة أهداف ، وحصل حارس منتخب الجزائر رايس مبولحي كأفضل حارس ..
وتزامن يوم التتويج المونديال مع ثلاثة تواريخ وطنية وعربية ودولية ، فيوم ١٨ ديسمبر يمثل عيدًا وطنيًا لاستقلال دولة قطر ، وثانيًا اليوم يعد يوما عالميا للغة الضاد ، فهذا اليوم من العام ١٩٧٣م تم اعتماد العربية كلغة في الأمم المتحدة ، فضلا عن أن توقيت ختام مونديال كأس العالم العام المقبل سيكون يوم ١٨ ديسمبر ٢٠٢٢م .
رسائل من وحي المونديال ..
أما الأجمل في مونديال الدوحة هو أن المونديال العربي كان عرسًا كرويًا استثنائيًا ، ما وضع الحكومات العربية وإتحاداتها أمام تحدي كبير وهو أن البطولة يجب أن تستمر وتنظم دوريًا وكل عامين أسوة ببطولة أمم إفريقيا أو أوروبا ، فمن المعيب جدًا بعد هذا العرس أن تبقى مجرد بطولة هامشية تقام كل عشرة أعوام .
كما والأجمل أن مونديال قطر أعطى رسائل عدة في غاية الأهمية والقيمة وهي أن العرب عشاقًا لكرة القدم وأنهم يستحقون أن تكون لهم بطولة تحظى برعاية وأشراف الاتحاد الدولي ” الفيفا ” ، فضلا عن مناقشة وإقرار العربية كلغة مضافة للغات الإتحاد ، كيف لا ؟ وهناك زهاء نصف المليار يتحدثون لغة الضاد .
” جياني إنفانتينو ” رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم أكد باستحقاق البطولة الرعاية الكاملة أسوة ببطولات الشعوب اللاتينية والأوروبية والإفريقية ، علاوة لتبنيه مسألة اعتماد العربية كلغة رسمية في الفيفا ، إذ ستكون موضوعا للنقاش في اجتماع الفيفا ، ولا استبعد أن ينجح هذا المسعى ، بحيث تكون العربية لغة رسمية في الفيفا ، خاصة بعد مونديال كأس العالم العام القابل في قطر .
المونديال العربي تم توقيته بعام واحد على إنطلاق نهائيات كأس العالم “قطر 2022″، وعلى 6 من الملاعب الثمانية المُخصصة لاستضافة المونديال العالمي .
المنتخبان المتوجان بالذهب والفضة وجائزة قدرها خمسة مليون دولار وثلاثة مليون على التوالي قادهما المدربان الوطنيان الجزائري مجيد بوقرة والتونسي منذر الكبير ، وهذا النجاح للمدربين طرح جملة من الأسئلة المشروعة ، من هذه الأسئلة : من الذي انجح الآخر المدرب أم اللاعبين ؟ وإذا كان الأمر يتعلق بنجاح المدرب فهل سنشاهد المدرب الوطني يؤخذ بزمام التدريب وبعيدا عن عن عقدة المدربين الأجانب ؟؟..
دقيقة وخمسة واربعون ثانية التي أضافها الحكم الدولي البولندي وسجل خلالها هدف منتخب الجزائر من ضربة جزاء في مرمى المنتخب القطري ، مثار جدل ، فحتى اللحظة لم يحصل المتابع عن إجابة شافية من الحكم أو لجنة التحكيم ، علما أن التحكيم كان مميزا وأن على حساب الحكام العرب الذين غابوا تماما ، فلأول مرة يجتمع فيها أبرز حكام القارات في بطولة عربية ، ناهيك عن أن تقنية الفار أنصفت كثيرا وكانت بحق تجسيدا لتنافس عادل .
اللاعب التونسي ” حنبعل ” اكتبوا اسمه من الآن ، سيكون نجمًا عربيًا كبيرًا ، فهذا الشاب ذو الثمانية عشر ربيعا امتعني شخصيًا بمهاراته المتعددة ، بلمساته وتمريراته الساحرة ، بلياقته العالية ، نعم لقد أدهشني وكنت أتوقع أنه سينال جائزة أفضل لاعب في المونديال ، ولكن هذه هو ثمن الانتصار ، فالفريق المتوج لا يحصد اللقب فحسب وانما يؤخذ معه بقية الأشياء ..