الثأر والحروب القبلية في اليمن.. طاحونة الموت المستمرة
منتصف كانون الثاني/ يناير الفائت، قتل مواطن يمني على يد مسلحين ينتمون إلى منطقة خولان بمحافظة صنعاء، في أحد شوارع العاصمة اليمنية، على خلفية قضية ثأر يتجاوز عمرها 17 عاماً.
كان القتيل قادما إلى صنعاء، لاستكمال علاج والده، عندما باغته خصومه في أحد الشوارع، ليطلقوا عليه وابلاً من الرصاص أرداه قتيلاً.
وتعود جذور القضية، وفق مصادر قبلية وحقوقية متطابقة، إلى اتهام والد القتيل بالتسبب بمقتل أحد أبناء عمومته في منطقة خولان إثر خلاف على شجرة في منتصف أرض حدودية بين ممتلكاته وممتلكات أحد أبناء عمه، ليتطور الخلاف إلى عراك بالأيدي ثم الهراوات.
وأسفرت تلك الحادثة عن نقل أحد الأشخاص إلى المستشفى، ليمكث هناك عشرين يوماً قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة هناك.
وبعد جولة طويلة من الوساطات، أفضت قرارات عشائرية إلى تنازل والد الشاب القتيل عن كل ممتلكاته لأسرة القاتل، وأن يمنع بشكل نهائي عودته الى المنطقة.
إلا أن أبناء القتيل عادوا بعد 17 عاما للثأر من الشاب، وتركوا الأب الذي كان يعاني من عدة أمراض مزمنة.
رغم اتساع رقعة الحرب في اليمن، إلا أنها لم تستطع إيقاف نزيف الدم بين القبائل اليمنية والتخفيف من حدة ”الثأر“، التي تعصف ببعض المناطق حروبا داخلية دامية تتجاوز عشرين عاماً، وتواصل حصاد أرواح المواطنين، دون الاكتراث لما يحدث في البلد.
ويعزو الاختصاصي الاجتماعي مروان صالح ذلك إلى ”البنية الاجتماعية والقبلية التي يتمتع بها المجتمع اليمني الذي ما يزال يحافظ على عاداته ومفاهيمه الاجتماعية“.
وقال صالح لـ“إرم نيوز“، إن ”الحروب القبلية والثأر ليست ظاهرة وليدة للسنوات العشر الماضية، بل هي تراكمات مجتمعية، اعتاد المجتمع اليمني على التعامل معها، وجعلها حلاً سحرياً لكل الإخفاقات المجتمعية التي يرتكبها البعض لتطال الآخرين بمجرد صلة القرابة“.
وأضاف: ”هناك موروث شعبي يعزز هذه الثقافة وأمثال شعبية متعددة يجري تداولها بشكل شبة يومي، وهي مبادئ غير حقيقية وتبتعد حتما عن المفاهيم الإسلامية التي توجب القصاص من مرتكب الجرم دون أن تطال العقوبة آخرين لمجرد صلة القرابة“.
ويستذكر صالح قصة طريفة وهو يتحدث عن الثأر، وقال: ”قبل نحو 12 عاماً شاب الحزن وجه مسن عندما اكتشف أنه مصاب بمرض السرطان وأنه في المراحل المتأخرة من المرض، وكان يصرخ في المستشفى (لا قضا ولا دين) بمعنى لا قتيل في قضية ثأر بدلاً من أحدهم ولا قتيل يتحمل دمه آخرون“.
وأشار إلى أن ”المجتمع القبلي يحمل خصوصية فريدة في جوانب الثأر والحروب القبلية، فقد تندلع حرب قبلية على خلفية مشاكل بسيطة يمكن حلها، ما تلبث أن تتطور لتصل الى سلسال لا ينقطع من الدم“.
بدوره، يعدد مدير مدرسة حكومية بصنعاء ينتمي لمحافظة عمران، بعض أسباب تنامي ظاهرة الثأر والحروب القبلية.
وقال المدير لـ“إرم نيوز“: هناك تغاضٍ رسمي منذ سنوات طويلة، وإحجام عن التدخل في حل القضايا القبلية والثارات، إلى جانب إيمان بعض القبائل بأن أخذها لحقها بيدها بعيدا عن السلطات المحلية والأمنية أمر ضروري وحتمي لعدم الثقة في تلك السلطات وفاعليتها“.
ومدير المدرسة باحث سابق في مركز النوع الاجتماعي بصنعاء، فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، أشار إلى أن ”الفساد الذي تعاني منه الكثير من القطاعات الحكومية في مقدمتها أجهزة الأمن والقضاء اليمني وسرعة البت في بعض قضايا القتل أحد أسباب الظاهرة“.
وفي اليمن تغذي جهات طرفا من أطراف الصراع أو كليهما، لزيادة استنزاف المجتمع اليمني، وإحدى تلك التجارب حرب الأشراف الموالين لميليشيا الحوثي في مناطق محافظة الجوف مع بعض القبائل هناك، وكيف كانت مخازن الميليشيات الحوثية تفتح أبوابها بمجرد استقبال زعيم قبلي من قبائل الأشراف وطلبه السلاح والذخيرة في الحرب القبلية التي كانت تحدث بين بعض قبائل الجوف.