فرص السلام تتآكل في اليمن
صار من العبث مواصلة الحديث عن فرص سلام لوقف الحرب الدائرة في اليمن منذ ثماني سنوات، بعد ارتفاع مستويات العنف خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى حد غير مسبوق، وتزايد القصف الجوي اليومي من التحالف بسبب تواصل القصف الصاروخي والمسيرات من داخل اليمن إلى الأراضي السعودية، ثم أخيراً إلى دولة الإمارات.
منذ البداية كان واضحاً أن قراراً إقليمياً ودولياً قد جرى التفاهم على اتخاذه بمنع الحوثيين من اقتحام مدينة مأرب وإيقاف قواتها عند حدودها، لأن حدوث ذلك سيحدث تغييراً في ديناميكيات الحرب، مما يمنح الحوثيين مقدرات مالية ومزايا جغرافية تعزز تفوقهم العسكري الواضح على خصومهم المحليين.
ولولا التدخل الجوي المكثف والمستمر من التحالف لكانت الأوضاع على الأرض قد أسست مسارات حاضرة ومشاهد مستقبلية شديدة التعقيد، يصبح معها الحديث عن تسوية سلمية محكوماً بعوامل جديدة.
أدى طول الحصار شبه الكامل على مدينة مأرب وقصفها من جانب الحوثيين إلى سقوط مئات الضحايا داخلها وفي وسط معسكرات اللجوء الداخلي التي تم إنشاؤها للنازحين اليمنيين الذين هربوا من مناطق معارك أخرى.
وفي الوقت نفسه عمد القصف الجوي إلى استنزاف أعداد كبيرة من مقاتلي الحوثيين، وتسبب تمددهم إلى مواقع بعيدة من خطوط إمدادهم الطبيعية في انقطاع التواصل الذي يحتاجون إليه ويلزمهم لمواصلة حملتهم الطويلة المنهكة والمدمرة في الجوف ثم مأرب وشبوة والبيضاء.
يقول كثيرون بمنطق إن استعادة حيوية مسار السلام تستوجب إضعاف الحوثيين عسكرياً إلى الحد الذي يجبرهم على الانخراط مجدداً في المفاوضات التي يسعى المبعوث الأممي الجديد إلى تنشيطها على الرغم من الصعوبات التي تواجهها.
وهكذا فإن الأطراف المنخرطة في القتال ضد الحوثيين ما زالت غير مقتنعة بأن الوقت قد حان على الرغم من أنه في الواقع قد تجاوز الوقت المعقول.
وما يعقد هذا المنطق هو أنه يتطلب مزيداً من التدخل الجوي بصورة مكثفة يومية، رغم الضغوط الأميركية على التحالف، وهو ما قد بدأ بالظهور في عودة المطالبات في واشنطن بالعمل القوي لوقف الحرب.
إن الواقع الذي تشهده ساحات المعارك حالياً يشير إلى أن قرار التصعيد العسكري الجوي جاء نتيجة الغضب الذي يجتاح عواصم دول التحالف من امتداد زمن الحرب، وكذلك لعدم رغبة الحوثيين الدخول في مفاوضات يمنية – يمنية، لأن لديهم شعوراً متأصلاً بتفوق ميداني يضاعف قوته ضعف خصومهم المحليين وتشتت قواهم وتناقض أهدافهم الآنية والمستقبلية.
حالياً أرى أن المأزق الذي يعاني منه اليمن هو كيفية التوصل إلى مقاربة لوقف الحرب بعد إنهاك الحوثي وإضعافه وجعل قوته في مستوى القوى المحلية المسلحة التي تكن له العداء المطلق.
ولكن هذه القوى في الوقت الحالي بحاجة إلى نبذ التشتت والوقوف صفاً واحداً لتجنب الضعف الشديد.
وما يزيد القلق عند الدوائر الدبلوماسية الغربية هو غياب الدعم الوطني للحكومة الشرعية وعجزها عن تصدر المشهد السياسي إلا بما يتبرع به الإقليم والمجتمع الدولي، لأنه يشكك في قدراتها الحقيقية على الرغم من الدعم والسند المالي والإعلامي، وفي الوقت نفسه لا يستطيع التخلي عنها من دون وجود بدائل وطنية أكثر قدرة.
المشهد اليمني يزداد ارتباكاً ولا يستطيع أحد الآن التكهن بفصوله الأخيرة.
والمؤكد أن الحيرة تصيب الجميع، وطنياً وإقليمياً ودولياً، عند التفكير للتوصل إلى معادلة تشكل أطراف منصة يقف عليها الجميع متساوين من دون اللجوء إلى السلاح أو الاستقواء به لفرض مخرجات لا تقنع الأغلبية ولا تأخذ الأقلية في الاعتبار.
وهنا يقول بعضهم إن مخرجات الـ”موفينبيك” عالجت القضايا كلها التي كانت تشغل بال اليمنيين على مدى عقود طويلة.
وعلى الرغم من مثالية هذا الطرح إلا أن الواقع قد تجاوز أهم ما جاء فيه، وخصوصاً التقسيم الذي تم فرضه على عدد من الذين وقعوا عليه من دون أن نفهم حينها أو نسمع حتى الآن المبررات الوطنية والعلمية التي حددت خطوط التقسيم، عدا تصريحات غامضة لا تفك اللغز الذي يقف وراء الخريطة التي كانت جزءاً من الأزمة التي سبقت (اتفاق السلم والشراكة) الموقع في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014 الذي هيأ بدوره لاقتحام ميليشيات جماعة “أنصار الله” الحوثية صنعاء.
في هذا السياق يمكن ويجب على المبعوث الأممي حينها، جمال بنعمر توضيح الأمر، خصوصاً أنه زار أبوظبي مع وزير الخارجية الحالي أحمد بن مبارك (الأمين العام لمؤتمر الحوار حينها)، قبل أيام من إقرار مسودة الدستور المقترح الذي يحتوي خلاصة مخرجات المؤتمر، وتحفظ عليه ممثل الحوثيين وقتها.
وقيل حينها إنه جرى الإصرار على إضافة عدد الأقاليم في مسودة الدستور من دون أن يتشكل توافق وطني في شأن هذا الأمر الخطر، فاعترض عليه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وكذلك الحوثيون.
كذلك هناك مرجعية ثانية تتمسك بها الحكومة وهو القرار الذي أصدره مجلس الأمن رقم (2216) في الـ14 من أبريل (نيسان) 2015، وامتنعت روسيا حينها عن التصويت لمصلحته ولم تستخدم حق النقض.
اليوم من الطبيعي أن هذا القرار قد تجاوزته الأحداث ويتحدث معظم الدبلوماسيين الغربيين تصريحاً وفي الغرف المغلقة أنه في حال التوصل إلى اتفاق سياسي بين الحكومة والحوثيين فإن الحاجة ستكون ملحة إلى إصدار قرار يتماشى مع الأوضاع التي نشأت وظهور قوى وميليشيات صارت تنازع الحكومة على مناطق نفوذها الافتراضية، وتدير مرافئ لحسابها في مناطق تغيب عنها الإدارة الحكومية.
والآن هناك حاجة ملحة إلى كسر الجمود في مسار المفاوضات، ويلزم المبعوث الأممي البحث عن صيغ غير تقليدية وعدم السير في مسارات عبَرها من سبقوه.
وواضح أنه ما زال مرتبكاً يبحث عن ابتكار نقطة بداية جديدة.
ويقيني أن الكل صار منهكاً من حرب أصبحت مشكلة تؤرق الجميع وتحتاج إلى واقعية مفرطة بعيداً من أوهام انتصار طرف وهزيمة آخر.
*نقلا عن إندبندنت عربية