ما وراء محادثات بايدن وسلمان وعلاقتها بتطورات الحرب في اليمن ؟
تبدو الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها على وشك التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران بشأن برنامج الأخيرة النووي، وهو ما دفع بالرئيس جو بايدن للعمل على تهيئة الظروف الإقليمية اللازمة لإنجاح الخطوة المرتقبة.
وأجرى الرئيس الأمريكي جو بايدن (الأربعاء 9 فبراير 2022) اتصالًا هاتفيًا مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك في وقت تقترب فيه محادثات فيينا النووية من نهايتها.
وهذا الاتصال هو الثاني منذ وصول بايدن إلى الحكم مطلع العام، وقد تناول، وفق بيان للبيت الأبيض، تطورات حرب اليمن والمفاوضات الجارية مع إيران بشأن ملفها النووي.
وقال البيت الأبيض إن بايدن أكد دعم الولايات المتحدة الكامل لأمن المملكة، والتزامها بكل الجهود الأممية الرامية لوقف الحرب في اليمن، كما جدد التزامه بعدم تمكين إيران من الحصول على سلاح نووي.
وجاء الاتصال في وقت تتداخل فيه العديد من الملفات الشائكة التي تربط البلدين بدءًا من أزمة اليمن التي اتخذت مؤخرًا مسارًا أكثر تصعيدًا، ومرورًا ببرنامج إيران النووي الذي يمثل مصدر قلق لواشنطن والرياض على حدٍّ سواء، وصولًا إلى التوتر الروسي الأوكراني وتداعياته المحتملة على إمدادات الطاقة.
وخلال الشهور الماضية أكدت الولايات مرارًا أنها تعمل مع حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط، وخاصة دول الخليج، على التوصل إلى صيغة تعالج المخاوف المتعلقة ببرنامج إيران النووي.
متغيرات جديدة
وفي تعليقات نشرتها أمس الجمعة صحيفة الخليج أونلاين رأى مدير مركز “مينا” للدراسات د. خالد الجابر، أن ثمة عديدًا من المتغيرات دفعت الرئيس الأمريكي للاتصال بالعاهل السعودي، مؤكدًا أن واشنطن أصبحت على يقين بأن منطقة الخليج لديها دور كبير يمكنها لعبه في المرحلة المقبلة.
وأكد الجابر أن مفاوضات فيينا وصلت إلى مراحل متقدمة جدًا، وأننا ربما نشهد اتفاقًا جديدًا قبل نهاية العام الجاري، “وهو ما يحتاج إلى تطمين دول الخليج بشأن أمنها”.
وقال الجابر إن العملية ستكون صعبة، خاصة أن المسألة لا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني فقط، وإنما تمتد أيضًا إلى صواريخ إيران التي تصل إلى دول عربية كبرى عبر حلفاء طهران في المنطقة.
ولفت إلى أن الدعم الإيراني الكبير للحوثيين في اليمن ولحزب الله في لبنان يثير قلقًا أمريكيًّا كبيرًا، ويفرض على الولايات المتحدة التوصل إلى صيغة جديدة للتعامل مع إيران في ظل اتفاق جديد.
وقال الجابر إن اللقاء الذي جمع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بالرئيس الأمريكي شهد تقديم وعود وتطمينات أمريكية كبيرة بأن الولايات المتحدة ستظل موجودة بالمنطقة، وأنها ستحافظ على أمن دول الخليج بعيدًا عن شخص الرئيس الأمريكي.
وتكشف هذه الاتصالات واللقاءات، بحسب الجابر، الرؤية الأمريكية الجديدة “التي تضع في حسبانها ضرورة أن يشعر الخليجيون بأن واشنطن حليف يمكنهم الوثوق به مستقبلًا، حتى في ظل اتفاق جديد من إيران”.
ولفت المحلل القطري إلى أن الأمريكيين يواجهون تحديات كبيرة فيما يتعلق بإيجاد صفقة تعيد تأهيل إيران للتعايش مع دول المنطقة وتضمن الحد من ممارستها التي تمثل خطرًا على دول الخليج.
ويتمثل التحدي الكبير حاليًا للولايات المتحدة في مدى قدرة الولايات المتحدة على إرساء تطمينات لدول الخليج في ظل محاولات تأهيل إيران مستقبلًا في ظل اتفاق محتمل، بحسب الجابر.
وقد دفعت هذه المتغيرات، كما يقول المحلل القطري لـ”الخليج أونلاين”، البيت الأبيض لإعادة التفكير في طريقة التعامل مع المنطقة، خصوصًا مع المملكة العربية السعودية، التي لها دور استراتيجي في سوق النفط العالمية.
وتقوم الرؤية الأمريكية الحالية بالأساس على مبدأ الاستقرار السياسي والاقتصادي لتحقيق أهداف مهمة، في مقدمتها ضمان استقرار تدفق مصادر الطاقة التي تنتجها المنطقة، بحسب الجابر.
ولفت المحلل السياسي إلى الزيارة التي أجراها أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى الولايات المتحدة مؤخرًا، والتي قال إنها تعكس أهمية المنطقة في تأمين أهم سلعتين في العالم، النفط والغاز.
متغيّرات سياسية كبيرة
وإلى جانب الاحتياجات الاقتصادية فإن ثمة متغيّرات سياسية كبيرة تشهدها المنطقة فيما يتعلق بالوضع الأمني، وفق ما يرى الجابر، لافتًا إلى أن هجمات الحوثيين الأخيرة على الإمارات أعطت مؤشرًا خطيرًا على إمكانية وصول هذه الهجمات إلى أماكن أخرى بالمنطقة.
ويرى أن واشنطن تحاول تحقيق استقرار أمني في المنطقة، التي تمثل حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، فضلًا عن المكانة المهمة التي تمثلها المنطقة فيما يتعلق بشراء الأسلحة.
ولا تريد الولايات المتحدة لدول المنطقة أن تذهب بعيدًا عنها فيما يتعلق بشراء الأسلحة، ليس فقط لدول منافسة لأمريكا مثل الصين فقط، وإنما أيضًا بالنسبة لأوروبا التي تخشى واشنطن أن تصبح مورّدًا للسلاح بما يمنحها ممارسة دور سياسي أكبر، ويوفر لها تحقيق مكاسب مالية على حساب الشركات الأمريكية.
من ناحية أخرى، فإن الولايات المتحدة تنظر اليوم إلى المنطقة من جوانب سياسية وأمنية واقتصادية يدفعها لإعادة النظر في طريقة تعاملها من الأنظمة الحاكمة بالمنطقة بغض النظر عن التحفظات المتعلقة بحقوق الإنسان، كما يقول مدير مركز “مينا”.
كما أن هذه الدول أثبتت على مدار أكثر من 60 عامًا أنها حليف قوي لأمريكا؛ حيث قدّمت لها الكثير من الدعم على جميع المستويات، بغض النظر عن خلفية الرئيس الموجود في البيت الأبيض.
وخلص الجابر إلى أن ما يقوم به بايدن حاليًا “يعكس الأهمية التي تحظى بها منطقة الخليج في السياسة الأمريكية، ويؤكد أن البيت الأبيض يعيد بناء العلاقة مع المنطقة على أسس جديدة، لا سيما أن المنطقة تجاوزت أزمة الخليج ودخلت مرحلة جديدة من التعامل تقوم على رؤية مختلفة في المجالات كافة”.