في الطريق إلى الرياض
تلقيت دعوة من الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية للمشاركة في المشاورات التي دعا إليها الأمين العام للمجلس بالرياض، في الفترة بين 29 مارس (آذار) إلى 7 أبريل (نيسان).
وحدد في المؤتمر الصحافي الذي عقده لشرح أهداف اللقاء، أن عدد المشاركين سيكون في حدود 500 شخص، ولم يضع أي شرط للحضور بما في ذلك الجماعة الحوثية التي رفضت المشاركة بمبرر أنها لا توافق على إجراء الحوار في الرياض، وإنما في عاصمة خليجية أخرى كالدوحة أو مسقط.
وحسناً فعل الأمين العام بالتأكيد، على أن الدعوات ستكون بالصفة الشخصية لكل مشارك، رافضاً قبول كل المحاولات التي بذلتها الأحزاب والتنظيمات للحصول على عدد مشاركين أكبر مما مُنح لأشخاص ينتمون إليها.
والواقع أن ذلك سيجعل الحوار أكثر حيوية وحيادية وربما اتزاناً دون مزايدات، على أمل أن يتحدث كل مشارك باسمه دون التقيد بضوابط حزبية تنظيمية مقيدة وجامدة.
واجتهد كثيرون في تحليل الغايات من هذه الدعوة، وما يمكن أن ينتج منها، على الرغم من أن العنوان الكبير لها هو التشاور بين اليمنيين.
ومع غياب طرفين رئيسين عن المشاركة (جماعة الحوثي وجزء لا بأس به من قيادات المؤتمر الشعبي العام)، فلا بد أن ذلك سيلقي بظلال سلبية على الحوارات، إلا أن المتوقع أن يجتهد من سيحضر في إعلاء المصلحة الوطنية اليمنية فوق كل الاعتبارات الحزبية والمناطقية، وأن يستحضروا أمامهم المأزق الذي يواجه الجميع ويتسبب في حصد الأرواح اليمنية وإشاعة الفوضى العارمة في المنطقة برمتها، وتنامي الاستقطاب الإقليمي بكل مستوياته.
من خلال اتصالاتي في الفترة التي تلت إطلاق الدعوة، يقول البعض بأن المؤتمر ربما يخصص وقتاً لبحث إعادة هيكلة الشرعية، وزاد آخرون بأن المشاركين سيتناولون مستقبل الرئيس ونائبه وإمكانية إحلال مجلس رئاسي أو اختيار عدد من المساعدين في مسعى لتوسيع المشاركة في قمة هرم “الشرعية”.
كما أن عدداً من الساسة والإعلاميين عبروا في البداية عن الامتعاض لاحتمال مشاركة الحوثيين، لكنهم عادوا لتوجيه النقد إليهم لامتناعهم عن تلبيتها، بل وعوضاً عن اختبار جدية الحوثيين تم التشكيك فوراً بالمبادرة التي قدمها الحوثيون لوقف إطلاق النار من جانب واحد، بل اعتبروا الإعلان عنها غير ذي جدوى وسخر منها آخرون.
هذا يبين عدم ثبات الموقف داخل الشرعية حول كيفية التعامل مع القضايا الكبرى بعيداً من المزايدات وشن الحملات على كل مخالف.
مَن المسؤول عن استمرار الحرب؟
اليوم أصبح من الواضح أن استمرار الحرب ليس سببه الحوثيون فقط، وإنما أيضاً من صارت مصالحهم الشخصية مرتبطة بارتفاع واستمرار وتيرة المعارك، غير عابئين بحال المواطن المهمل من كل السلطات التي تتقاسم النفوذ وتعيش صراعاً بينياً.
ولا أقصد هنا تبرئة الحوثيين من مسؤوليتهم الأكبر، لكن أحداً لا يستطيع إنكار تضخم الفوائد الشخصية التي يجنيها خصومهم الافتراضيون، الذين صار من الثابت أنهم غير مستعجلين على وقف الحرب، بل على النقيض من ذلك، هم يعيشون ويتعيشون من إطالتها، بعد أن رتبوا أمورهم مع أسرهم وأقاربهم خارج البلاد وترسخ شعور لديهم بأن العودة غير محتملة على المدى المنظور.
ولعله من المفيد هنا التذكير بأن المشهد الحالي للقوى الحقيقية مختلف كلية عن بدايات الحرب التي تشكلت فصولها على مدى أشهر سبقت (عاصفة الحزم) فقد بدأت مراحلها الأولى مع ترحيل طلبة معهد دماج السلفي في صعدة، ثم القضاء على نفوذ قبيلة حاشد في معقلها الرئيس، ثم وصولاً إلى عمران وتدمير آخر معاقل الجيش اليمني فيها، وقتل القائد العسكري اللواء حميد القشيبي.
ثم الوصول إلى صنعاء وبسط جماعة الحوثي نفوذها على كل مفاصل الدولة واستسلام الجميع أمام جموحها وبطشها.
وبعدما صارت تلك المشاهد حقيقة مرة وواقعة، وبعد هضم تبعاتها، بدأت مرحلة امتدت من 26 مارس 2015 وحتى يومنا هذا، وفيها خارت قوى الشرعية تباعاً أمام الضربات المتتالية التي لحقت بها، ولم يكن الأمر مقتصراً على الجانب الميداني، بل هز كل مؤسساتها، فلم تعد قادرة على تلبية أي من مهامها الأخلاقية والدستورية واكتفت بالبيانات والتصريحات والسفريات وتضخم أعداد الموظفين في الداخل والخارج وتهافت على التعيينات في الخارج والداخل.
في الواقع، فإن أكثر ما أصاب الشرعية في مقتل بعد هروبها من أمام الحوثيين وتخليها عن مسؤولياتها، هو غيابها المستدام واسترخاؤها خارج اليمن، حتى إن عودة بعض عناصرها كان مؤقتاً، وما كانوا قادرين على الحركة بحرية وأمان.
ومع هذه العوامل المتراكمة جراء الإهمال والتطبع مع الأوضاع رأينا كيف برزت قوى جديدة تنازعها النفوذ في المناطق “المحررة”.
وهكذا صار نفوذ “الشرعية” مقتصراً على صرف المرتبات بصعوبة وإطلاق العنان للتصريحات والأوهام في نشرات الأخبار.
وخلال هذه الفترة، برز المجلس الانتقالي كقوة منافسة ومربكة في آن للحكومة ومؤسساتها.
ثم ظهرت قوة عسكرية جديدة (المقاومة الوطنية) اتخذت من الساحل الممتد من عدن حتى أطراف الحديدة مسرحاً لنفوذها بعيداً من سلطة الحكومة.
وهذا غير ما استُنسخ من تكوينات في المهرة وحضرموت وشبوة، ليسلخ من الحكومة ما تبقى من سلطاتها دون مقاومة ولا اعتراض.
في تصوري، إن أفضل ما يمكن فعله في الرياض أخلاقياً هو الحديث الصادق الواضح دون استظهار للمهارات اللغوية التي اكتسبها بعضهم من تجربته الحزبية، وأن يبين من ينادي باستمرار الحرب حتى القضاء على الخصوم الوقت اللازم لإنجاز هذه المهمة التي يعترف العالم والمقاتلون الحقيقيون أنها لن تنتهي بانتصار أي طرف مهما طال الزمن.
في واقع الأمر، فإن اليمني المنهك في الداخل والخارج يحتاج إلى وقف سريع للحرب دون تأجيل، وفتح المعابر، كل المعابر، والمنافذ البحرية والجوية، وإطلاق المعتقلين دون شروط.
وعلى من تدبروا أمرهم للعيش بعيداً من انقطاع الخدمات والحصار والقصف إما العودة للنضال من الداخل أو الصمت، لأن القول بأن استمرار الحرب مرتبط، كما يزعم بعضهم، بالدفاع عن الأمة العربية والخليج لدرء الخطر الإيراني، فيه استخفاف بقدرات هذه الدول على الدفاع عن أراضيها ومصالحها، وابتزاز لا يليق بهم وبها، وعليهم أن يفكروا ببلادهم أولاً ويتركوا الآخرين يتدبرون شؤونهم.
وكما على جميع المشاركين أن يستحضروا التقارير الدولية التي تتحدث عن الأعداد المتزايدة كل يوم، من الذين لا يجدون قوت يومهم، ولا سقفاً يحميهم من حرارة الشمس أو جداراً يقيهم من قسوة البرد، وأن يتذكروا أن أعداد الذين يعيشون تحت خط الفقر تتضاعف صباح كل يوم من أيام الحرب.
*نقلا عن: إندبندنت عربية.