للتعامل المنطقي مع الحوثي. علينا أن نحدد بدقة ما هو الطرف. وما هي نوعية مشكلتنا معه؟ هل هي الانقلاب. أم الكهنوت. أم هما معا؟!
بالنسبة للانقلاب. هو جزء من تقاليدنا وأعرافنا السياسية. معظم رؤساء اليمن. والجمهوريات العربية، وصلوا إلى السلطة، وخرجوا منها، عبر اغتيالات أو انقلابات عسكرية. وأحيانا كانت الانقلابات تأتي ببدائل أفضل.
وبالنسبة للكهنوت. نعرف أن الدين متداخل مع الدولة. ويحكم بدرجات متفاوتة من المباشرة. في أغلب الدول العربية والإسلامية. حتى تلك التي تبدو مدنية، علمانية، كمصر على سبيل المثال.
إذن، ما دمنا قد تعودنا على الانقلاب والكهنوت.. ما الذي يفسر هذا الرفض المحتدم الشامل. والمقاومة الباسلة التي يبديها الشعب اليمني ضد انقلاب هذه الجماعة الكهنوتية؟!
والواقع أن انقلاب الحوثي وكهنوته مختلفان تماما عن الأشكال التقليدية للانقلاب والكهنوت:
بالنسبة للانقلاب. كان يتم دائما ضد السلطة. وفي كل مرة. كان الرئيس المنقلب يبعد الرئيس السابق. ويدخل إلى القصر الرئاسي. ويجلس على نفس الكرسي. ويحكم من خلال نفس الدولة. ويتعامل مع الشعب عبر أجهزتها المختلفة.
الانقلاب الحوثي على العكس. انقلاب ضد السلطة والمعارضة. ضد الرئيس والمرؤوس. ضد الدولة والشعب. ضد التاريخ والعصر. وبدأ أولاً بقلب طاولة الإجماع الوطني. واستبدال مؤسسات الدولة بشبكة من المشرفين. على رأسهم حاكم بأمر الله يتحكم بكل شيء من كهف مجهول.!
لا يوجد مصطلح سياسي يعبر بدقة عن هذا الشكل الجديد المرعب من الانقلاب. هذا في حال سميناه انقلابا. بينما هو أشبه باجتياح بربري أسقط كل تقاليد الحكم. وقيم الدولة منذ اليوم الأول.!
بالنسبة للكهنوت: كان هناك نوع من المداخلة المحدودة بين الدين والسياسة، طوال العهد الجمهوري. ورغم الاعتراض الحضاري عليها. كانت صيغتها المعقولة مقبولة أحيانا حتى من قبل الأحزاب العلمانية. كالحزب الاشتراكي الذي دعا لها خلال “مؤتمر الحوار”.
الكهنوت الحوثي شيء مختلف جذريا. من حيث الكم والنوع. وفي مقابل القاعدة المأثورة: “ما لله لله. وما لقيصر لقيصر”. الحوثي جعل ما لقيصر “الدولة” لله. وما لله للسلالة التي حولت الله إلى محجم لامتصاص دماء الشعب اليمني، والرسول إلى أداة عنصرية للانتقاص من هذا الشعب وإقناعه بدونيته.
لم يكن الأمر كذلك حتى خلال العهد الإمامي البائد.. فرغم المشتركات العقائدية والسياسية بين الطرفين. كان الإمام أحمد يتجنب الحساسيات الطائفية. بينما الحوثي يصطدم حتى الطائفة الزيدية بفرماناته وممارساته.
خلاصة القول: مشكلة الحوثي، لا تكمن فقط في الانقلاب أو الكهنوت، التقليديين. بل في الجمع بينما، ضمن خلطة جينية عجيبة انتجت هذا الغول المرعب المسعور الطارئ على الحياة. والدخيل على اليمن. كظاهرة لا يمكن قبولها أو التعايش معها. ومهما طالت التجربة ستظل هذه الجماعة ضد الجميع.