شنت جماعة الحوثي المسلحة هجوماً كبيراً على الحدود السعودية يوم الأربعاء الماضي، وسط محادثات في أعلى المستويات بين الجماعة والمملكة التي تحاول طيّ الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.
حسب مصادر عديدة شن الحوثيون هجوماً كبيراً على “جبل الدود” في “جازان” السعودية صباح الثلاثاء، واستمرت المعارك حتى المساء، وأدت إلى مقتل وإصابة عشرات المسلحين الحوثيين، فيما قُتل أربعة من جنود السعوديين ولم يعرف إصاباتهم.
لم يعلق الحوثيون أو السعوديون على الهجوم بَعد الذي من المتوقع أن يكون مؤثراً للغاية في محادثات بين الطرفين تحت وساطة عُمانية ورعاية الأمم المتحدة لوقف إطلاق نار دائم تمهيداً لإنهاء الحرب في البلاد.
وفيما لا يعرف خسائر الحوثيين في الهجوم، تداول سعوديون على منصة أكس (تويتر سابقاً) أسماء خمسة من قتلى الجيش السعودي في “الحد الجنوبي” ارتقوا في المعركة: يحي محمد حسن، أحمد يوسف العميري، ناصر محمد رديني، سلطان حسن الحارثي، خالد محمد مخلوطي.
وقال مسؤول مقرب من “الدفاع السعودية” على منصة أكس إن “جبل الدود خط أحمر وهو مثلث برمودا الحوثيين، أتمنى أن يفهموا الدرس الذي حصل لهم جيداً”. وهو الهجوم الأكبر الثاني للحوثيين خلال أقل من شهر.
وتزامن هجوم الحوثيين البري على الحدود السعودية، مع إعلان البحرين يوم الخميس، وفاة جندي خامس أصيب في هجوم للحوثيين بطائرات مسيّرة يوم 25 سبتمبر/أيلول الماضي. وهو الهجوم الذي أدانة مجلس الأمن الدول ودول مجلس التعاون، واُعتبر على نطاق واسع بكونه تهديد خطير لعملية السلام، وإنذاراً بنهاية الهدنة المستمرة منذ ابريل/نيسان العام الماضي.
وقال مصدر عسكري في الحكومة اليمنية يوم الخميس، إن الحوثيين كثفوا إطلاق القذائف والصواريخ العابرة للحدود إلى الأراضي السعودية، منذ أغسطس/آب الماضي، واشتدت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول نشرت وسائل الإعلام السعودية أن محافظ “محايل” أدى صلاة الميت “على شهيد الواجب الوكيل رقيب فايع بن محمد أحمد الهلالي”. مشيرةً إلى أنه قُتل “وهو يؤدي واجبه في الحد الجنوبي”- وعادة ما يستخدم هذا الوصف للذين يقتلون في مواجهة الحوثيين.
وأشار المصدر -الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام- إلى أن تصعيد الحوثيين لا يقتصر على الحدود بل كثفوا هجماتهم في معظم جبهات القتال بما في ذلك مدينة تعز حيث وقتل وأصيب الأيام الماضية مدنيين بقصف وقنص الحوثيين لسكان المدينة المحاصرة.
ولفت إلى أن تحركات الحوثيين بما في ذلك نقل الأسلحة والمقاتلين إلى الخطوط الأمامية لجبهات القتال استمر منذ نهاية الشهر الماضي وفي مقدمتها محافظات “حجة، وتعز ومأرب والضالع”. وهو ما ينذر بعودة الحرب بشكل أكبر من قبل.
وعقب هجمات الحوثيين في “جبل الدود” التقى قائد التحالف العربي نائب رئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة السعودية الفريق أول ركن مطلق الازيمع، المستجدات برئيس هيئة الاركان العامة قائد العمليات المشتركة اليمنية الفريق الركن صغير بن عزيز، يوم الخميس.
وقالت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، إن الأزيمع وبن عزيز ناقشا المستجدات الميدانية والوضع العملياتي في مختلف الجبهات على امتداد مسرح العمليات اليمنية. كان “بن عزيز” قد زار القوات اليمنية في محافظة حجة قبل اللقاء بأيام.
ويرى سلمان محمد الباحث والمحلل السياسي أن هجمات الحوثيين على الحدود “قد تشير إلى احتمالية عودة الحرب في الساحة الداخلية اليمنية -أكثر من كونها على الحدود”.
وتابع: “خاصة أن الحكومة أو القوى المحلية في الحكومة أكثر ضعفا وتفرقا، وربما يستعد الحوثي لشن هجوم كبير على تغز أو مأرب”. موضحاً أن “أي هجوم أو عودة للحرب من قِبل الحوثيين ستكون تحت أوامر من إيران”.
وسبق أن حذرت الحكومة الأسبوع الماضي من نيّة الحوثيين شن هجوم على مدينة تعز بعد أن قدم الحوثيون شروطاً لفك الحصار المفروض على المدينة منذ تسع سنوات.
وحول عدم تبني الجماعة بشكل رسمي للهجوم على “جبل الدول”؛ قال مسؤول دفاعي في صنعاء، إنه لا يستطيع أن يؤكد أو ينفي الهجوم على الجبل الاستراتيجي ونتائجه.
وكشف المسؤول عن خلافات بين قادة بالجماعة حول الذهاب نحو السلام بناء على التطورات الدولية الحالية والحرب في غزة، وطرف آخر يرى في الحرب وسيلة للسيطرة الكاملة على اليمن والضغط على المملكة التخلي عن اليمن تحت هيمنة القوة المسلحة.
كان الحوثيون قد اعتبروا الهجوم على القوة البحرينية في سبتمبر جزء من انتهاك متبادل للهدنة وقالوا إنه “أمر مؤسف”، مشيرين إلى أنه ليس هجوم مخطط له لقتل الجنود، وعلى إثر ذلك طالبت المنامة من الحوثيين تسليم الفريق الذي هاجم قواتهم للتحالف العربي.
لكن الهجوم على “جبل الدود” الاستراتيجي على الحدود لا يمكن أن يكون إلا مخططاً من الجماعة وقياداتها العسكرية الميدانية.
وقال المصدر العسكري في الحكومة تعليقاً على ذلك: يريد الحوثيون أن يكون لديهم اليد العليا في المفاوضات لذلك يضغطون على المملكة بهجمات على الحدود لتنفيذ شروطهم التي ترفضها السعودية.
ولا يريد الحوثيون السلام بل الحرب لأن الجماعة تعيش عليها، “وتشعر أن الأوضاع الحالية مع المخاوف من حرب إقليمية مع الهجوم الإسرائيلي على غزة بيئة مواتية لتحقيق انتصار عسكري!”-حسب ما أفاد المصدر.
ويشير سلمان محمد إلى أن عدم تبني الحوثيين الهجوم إلى أن هناك “انقسامات عسكرية داخل جماعة الحوثي، مستغلين طوفان الأقصى، هناك عدد من قادة الحوثي يرون أن الأولوية في المعركة ضد السعودية، بما فيهم الذين يعدونها مشاركة في عملية طوفان الأقصى”. مشدداً على أن “هجمات عابرة للحدود ستكون بطلب إيراني”.
يتفق “ابراهيم جلال” من معهد الشرق الأوسط للدراسات في واشنطن مع ما ذهب إليه “سلمان” حول انقسامات الحوثيين وتأثيرها على قرار الحوثيين، وقال: يسعى الجناح المتشدد للحوثيين، الذي دعم الاستهداف المفاجئ للقوات البحرينية المتمركزة على الحدود السعودية اليمنية في 25 أيلول/سبتمبر، إلى تعزيز الانتماء الإقليمي للجماعة تحت محور المقاومة. في إشارة لمحور المقاومة الذي تقوده إيران ويشمل الحوثيين وحزب الله اللبناني والميليشيات المسلحة في العراق وسوريا.
وأضاف جلال في تعليقه على هجوم للحوثيين في البحر الأحمر اعترضته مدمرة أمريكية يوم 19 أكتوبر الجاري: أن تأثير إيران على هذا الجناح قوي جداً، وهو نتيجة لاستثمار سياسي وعسكري ومالي طويل الأمد.
ولفت جلال: بغض النظر عما إذا كانت محادثات السلام المستقبلية ستتقدم أم لا وكيف ستتقدم، يعيد جناح الحوثيين المتشدد، التأكيد على الأولوية الاستراتيجية لعلاقات الحوثيين بمشروع محور المقاومة ورغبة الميليشيا (الحوثيين) في الانخراط عسكريًا في حروب أو توترات إقليمية أو دولية في ظل ظروف معينة.
وبناءً على التطورات المستمرة في اليمن والمنطقة من غير الواضح كيف ستؤثر الهجمات على العابرة للحدود – بينها هجوم جبل الدود- على الديناميكيات السعودية الحوثية، نظراً لالتزام الرياض بطي صفحة الحرب، ولكن من شبه المؤكد أن الطريق إلى سلام مستدام وعادل في اليمن لا يزال بعيداً عن الأنظار والحوثيون هم السبب الرئيس في عدم الوصول إليه.