الريال” في مهب الريح.. “مرتبات دولارية”، و”إيرادات مفقودة”، و”فشل الإدارة”.. أهم عوامل انهيار العملة الوطنية
أدى الفشل الحكومي في إدارة الملف الاقتصادي والمالي خلال السنوات التي تلت فوضى 2011، في اليمن، إلى تراكم الأزمات المعيشية على المواطن في مختلف مناطق البلاد بلا استثناء، حيث كانت العملة التي تعد الركيزة الأساسية للدولة والنظام، الأكثر استهدافًا ممن تسببوا ووقفوا ونفذوا تلك الفوضى.
صدمات متكررة
لقد تعرضت العملة المحلية “الريال” للعديد من الصدمات على مدى عقد ونيف من الفوضى، أوصلته إلى عتبة “1700 ريال”، “للدولار الواحد”، بعد ان ظل متوسط سعره لا يتجاوز 221 ريال للدولار في عهد “الدولة والنظام”، التي عملت تلك الفوضى على تدميرهما واسقاطهما.
واليوم وبعد مرور 13 عاما، وصلت الأوضاع المختلفة في البلاد إلى حافة “الهاوية” او “الكارثة”، كيفما سميت فهي تتجه لتقضي على كل مظاهر الحياة المعيشية لليمنيين الذين يعيشون منذ 9 سنوات في حروب عبثية افتعلتها مليشيات الحوثي الايرانية، كنتيجة حتمية تم التحذير منها مرارًا وتكرارًا قبل الفوضى.
“اليوم”، البلاد تعيش تدهورًا في قيمة العملة الوطنية “الريال” نتيجة أسباب عدة ابرزها “الفوضى والحروب”، ونهب احتياطي العملة الاجنبية، وتوقف تصدير الموارد الرئيسية للبلاد على راسها “النفط والغاز”، ما انعكس على حياة اليمنيين التي تتحدث التقارير الدولية عن 21 مليون يمني باتوا بحاجة عاجلة للغذاء للبقاء على قيد الحياة.
الانهيار المخيف
دخلت البلاد يوم الاربعاء 21 فبراير 2024 مرحلة انهيار جديدة للعملة المحلية، وهي مرحلة ستكون مصحوبة بالكثير من التداعيات المعيشية على اليمنيين، خاصة وأنها تأتي مصحوبة باستفحال أزمة القيادة المالية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وتصاعد تأثيرات الأعمال الارهابية للحوثيين تجاه الملاحة والتجارة في المياه الاقليمية اليمنية.
ويرى العديد من خبراء الاقتصاد والمال، بأن الانهيار الحالي ستكون تداعياته مخيفة وقاتلة ومؤثرة بشكل أكبر على حياة اليمنيين، خاصة وانها تأتي مع دخول لاعب جديد في خط الأزمة المستمر منذ سنوات، والتي فشلت الحكومة في حلها رغم مطالب المانحين بحلها خاصة فيما يتعلق بفساد القيادة المالية في البنك المركزي بعدن، ونظرائهم في الأجهزة المالية الحكومية كالمالية والبنوك والمصارف الأخرى.
ووفقًا للخبراء، فإن الانهيار الجديد يأتي متزامنا مع تداخلات عوامل أخرى مثل قرب حلول شهر رمضان المبارك الذي يحتاج إلى عمليات استيراد كبيرة لمواجهة متطلباته، فضلًا عن الحاجة الماسة لصرف المرتبات لمواجهة احتياجات رمضان بالنسبة للأسر، فضلًا عن تصاعد الخلافات السياسية بين الفرقاء على خلفية “المكاسب والمناصب” المستمرة منذ سنوات، وفوق هذا كله انها مصحوبة باستفحال كبير في ارتفاع اسعار السلع الاستهلاكية المختلفة.
منحة وانهيار
وتزامن الانهيار الجديد، مع حصول الحكومة اليمنية على دفعة ثانية من المنحة السعودية لدعم الميزانية العامة للدولة والمقدرة بـ 250 مليون دولار، الامر الذي طرح العديد من التساؤلات حول جدوى تلك المنح المالية الطفيفة في معالجة الأزمة المستفحلة، وكيف تم التصرف بها، او بالعامية “أين ذهبت تلك الدفعة”؟
ورغم الاستقرار النسبي الذي شهده سعر الصرف خلال الأسبوع الماضي، الا ان الريال عاود الانهيار امام العملات الأجنبية ووصول سعره إلى قرابة 1700 ريال للدولار، مع توقعات مصرفية باستمرار انهياره للوصول إلى مستويات كارثية، حسب وصفهم.
وعلى عكس ما هو متوقع او كما هي العادة، فإنه مع الدفع بكمية جديدة من العملة الاجنبية إلى البنك المركزي، ينعكس ذلك إيجاباً بشكل تلقائي على الوضع الاقتصادي، وسعر العملة، الا في هذه الحالة فإن انهيار العملة الذي تزامن مع دفعة المنحة الثانية، ستكون لها آثار كبيرة على حياة المواطن.
العجز في توفير المناخ المناسب
وظلت البلاد على مدى 13 عامًا تعيش وضعًا كارثيًا بالنسبة للجانب المالي والاقتصادي، خاصة وان شركاء الفوضى اتفقوا على شيء واحد هو نهب المال العام ومصادرة كل الموارد والمنح لصالحها، دون العمل على تنميتها واستثمارها في مجالات توفر المناخ المناسب للاستقرار الاقتصادي.
ووفقًا لخبراء في الاقتصاد والمال، فإن الفشل الحكومي في تعبئة وتنمية الموارد العامة للدولة، والتخطيط في انفاقها في طرقها المشروعة والمحددة وفقا للعمل المؤسسي، واستمرار عمليات نهب الاحتياطات الاجنبية والتي بدأت بنهب الحوثيين لاحتياطيات البنك المركزي في صنعاء، فضلًا عن عدم اقتصار الإنفاق على ما يتوفر من موارد، وتمويل غير تضخمي، واعتماد سياسة نقدية تعتمد على الصرف العشوائي وبالعملات الاجنبية على جهات ومرافق ودوائر دون غيرها، كلها وغيرها الكثير من الأسباب تسببت بالحالة التي وصلت اليها البلاد.
وتحدث الخبراء، بأن فشل الحكومة في عملية الاصلاح المالي الذي تم المطالبة به من قبل المانحين، وتم عقد ورش عمل مع مؤسسات مالية دولية لتنفيذه، خاصة فيما يتعلق باعادة تنظيم العمل المالي للبنك المركزي بعدن ووزارة المالية، وفشل الجهات الحكومية على السيطرة على العملية المصرفية، مع استمرار تدخل العديد من الجهات المحلية في عمليات البنك المركزي بعدن وعدم احترام استقلاليته، وعدم التدخل في شؤونه والتجاوز على صلاحياته باعتبار أن أي تدخل مهما كان نوعه ومهما كان هدفه يشكّل إرباكا لإجراءات البنك في تعامله مع تجاوزات شركات الصرافة والقطاع البنكي بموجب أحكام القانون والمعايير المصرفية بعيدا عن الإجراءات العشوائية التي لا تستند إلى أي أسس قانونية أو معايير مالية واقتصادية، كلها عوامل مشتركة في عملية الانهيار، كما انها عوامل مستمرة.
انهيار .. وعجز بنك
وتؤكد التقارير المالية الرسمية في عدن، وجود عجز مالي وعدم وجود سيولة في البنك المركزي، يستطيع من خلالها مواجهة “صرف المرتبات” الامر الذي أدى للبلبلة التي حدثت خلال الساعات القليلة الماضية ومنها “مذكرة القضاء” المثيرة للجدل بشأن احالة محافظ البنك احمد غالب للنيابة ومنعه من السفر والتي جاءت على خلفية مشكلة صرف “مرتبات القضاء” لعدم وجود سيولة مالية.
وفي هذا الصدد، اعتبر الأكاديمي والناشط في مجال مكافحة الفساد الرسمي عبدالقادر الخراز، ان المشكلة ليست في شخص محافظ البنك، وانما في استمرار صرف “المرتبات الدولارية” لقطاعات محلية متواجدة خارج البلاد، مشيرا إلى انه كان الأحرى بالقضاء اصدار مذكرة بمنع صرف تلك المرتبات والأموال الغير قانونية، ودعا إلى توجيه مذكرات إلى المنظمات الدولية لمحاسبتها وأيضا المؤسسات المحلية والمسجلة خارج اليمن والشريكة معها، والتحقيق في الأموال التي استلمتها باسم العدالة والمساواة والقانون والسلام، مشيرا إلى أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى استعادة أموال تكفي لدفع مرتبات وبناء مجمعات قضائية في جميع المحافظات.
اجراءات بنكية
وفي 13 فبراير الجاري اتخذت إدارة المصرف المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة، عدن، جملة من الإجراءات لمواجهة انهيار سعر العملة الوطنية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وضبط عمل القطاع المصرفي، مدفوعة بوصول القسط الثاني من المنحة السعودية للحكومة اليمنية البالغة 250 مليون دولار من إجمالي 1.2 مليار. وأكد موظفون حكوميون أنهم لم يتسلموا بعد مرتبات شهر يناير رغم الظروف الصعبة التي يواجهها اليمنيون بسبب غلاء الأسعار وانهيار قيمة الريال في مناطق الجنوب حيث بلغ سعر الدولار الواحد 1675 ريالا.
هوامير الودائع
وعلى مدى السنوات الماضية، تحدثت العديد من التقارير والوثائق الرسمية وغير الرسمية، وحتى التقارير الدولية بما فيها تقارير فريق الخبراء الدوليين التابع لمجلس الأمن الدولي المعني باليمن، بوجود ما يسمى بـ “هوامير” الودائع او الفساد المالي في المناطق المحررة خاصة في عدن.
وتحدثت التقارير عن عمليات مضاربة بالودائع والمنح المقدمة من المانحين، فضلا عن عمليات بيع بالمكشوف للعملات الاجنبية تتم بين “عدن وصنعاء”، تعود فوائدها للحوثيين بشكل مباشر، و تأتي في اطار عصابات الفوضى المسيطرة على المشهد شمالا وجنوبا، فضلا عن تدخل مسؤولين وسفراء اجانب في العملية، وهو ما جعل المناطق المحررة تخضع لما بات يعرف لحكم المناديب الساميين المتمثلة بعدد من سفراء الدول الفاعلة في الشأن اليمني.
المطلوب العاجل
ووفقا لخبراء الاقتصاد والمال، فإن المطلوب شكل عاجل لمواجهة تداعيات الانهيار الحالي والمستمر منذ سنوات للعملة والتي تقود ورائها الكثير من التبعات التي تنعكس على المواطن ومنها ارتفاع الاسعار، هو البدء بتنفيذ سياسة اصلاحية للمؤسسات المالية في عدن، واحالة ملفات الفساد في هذا الخصوص إلى القضاء للبت فيها، واستعادة الاموال المنهوبة خلال السنوات الماضية، ووقف الصرف بالعملات الاجنبية، وان تلزم جميع الجهات الرسمية بتوريد ايراداتها إلى البنك المركزي في عدن، مع ابقاء اموال الوديعة في البنك المركزي لكي يتحسن صرف الريال.
كما طالبوا البنك والجهات المالية المختصة، على معالجة مشكلة الصرافة العشوائية وعمليات المضاربة بالعملة التي تتم من جهات تقف ورائها قوى مشاركة في الحكومة، فضلا عن توفير العملة الاجنبية بسعر منخفض لتجار السلع المستوردة للسيطرة على الأسعار.
عوامل مسببة
وتحدثت عدد من المختصين في الشأن الاقتصادي اليمني، حول عوامل اخرى سببت في انهيار العملة والوضع المعيشي الحالي، منها “الإيرادات المفقودة” من الرسوم الجمركية والضريبية ، وتوقيف “منشأة بلحاف الغازية عن التصدير”، الاعتداءات على قطاعات النفط واستهداف المرافئ وناقلات النفط وتعطيل تصدير النفط الخام، فضلًا عن تخلي البنك المركزي عن دوره في توفير النقد الأجنبي لتمويل احتياجات التجارة لعدم قُدرته على ذلك، استمرار سياسة التعويم التي اعلنها الرئيس السابق عبدربه منصور هادي في 2016، إلى جانب نفاذ الاحتياطي النقدي الاجنبي”، وابرز تلك العوامل “الفشل المتعاقب في إدارة البلاد”.
نقلا عن المنتصف