مقالات

لا أسرى لدى الشرعية

 


لا أسرى لدى الحكومة اليمنية. وكيف يمكن لحكومة أن تأسر مواطنيها حتى لو كانوا ضدها في حالة حرب وتمرد؟ الحوثيون جماعة يمنية مسلحة عنصرية مغلقة انقلبت على الدولة والنظام وأعلنت الحرب على اليمن واليمنيين.


 


والحكومة الشرعية تخوض منذ اندلاع هذه الفتنة حرب استرداد واستعادة للدولة والنظام، وتعمل على مواجهة هذا التمرد بكل السبل والوسائل الممكنة والمكفولة بحسب كل الدساتير والقوانين والشرائع والمواثيق والأعراف الوطنية والدولية، وهي في مكافحتها ومجابهتها لهذه الجماعة تدافع عن سيادة الوطن وتعمل جاهدة على حماية أمن واستقرار مواطنيها وضمان سلامتهم والحيلولة دون استغلالهم من قبل هذه الجماعة والدفع بهم للانخراط معها في القتال.


 


وهي إذ تقبض عليهم أو توقفهم في مناطق المواجهات تُمارس حقها الدستوري والقانوني في التعامل معهم كمتمردين يتوجب تقديمهم للعدالة، كما تُمارس حقها في التحفظ على من تراهم مخدوعين ومغرراً بهم أو من تجدهم صغاراً وقعوا في دائرة الاستغلال والتضليل.


 


خلاصة القول: إنه لا أسرى حرب لدى الشرعية في هذه الحال، بل هم مواطنون خرجوا على الدولة لأسباب ودواعٍ كثر يرجع أمر البت فيها واستجلاء حقيقتها وتقرير الأمر فيها إلى الحكومة الشرعية ذاتها ومؤسساتها الضبطية والقضائية والاجتماعية المعنية.


 


بناء مشاورات ستكهولم على البدء في ملف الأسرى والمعتقلين والمختطفين يتجاوز أولاً هذه المسلمات السالفة وينشد تشييد رافعة على غير أساس موضوعي أو منطقي أو قانوني.


 


من المهم هنا الرجوع إلى القوانين والاتفاقات الدولية الناظمة والحاكمة لهذه القضايا سيما ونحن نخوض مشاورات مرعية من الأمم المتحدة بعد جولة مفاوضات فاشلة من قبل.


 


دعونا نقرأ هذه الفقرات المهمة بين الحواصر من مصفوفة الاتفاقات الدولية التأسيسية “ثمة قواعد محددة تكفل حماية أسرى الحرب وُصفت بتفاصيلها لأول مرة في اتفاقية جنيف لعام 1929، ثم نُقحت في نص اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، على إثر الدروس المستخلصة من الحرب العالمية الثانية، وفي نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977”. “وينطبق وضع أسير الحرب في حالة النزاع المسلح الدولي فقط. وأسرى الحرب في العادة أفراد القوات المسلحة التابعة لأحد أطراف النزاع الذين يقعون في قبضة العدو. وتصنف اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، فضلاً عن ذلك، فئات أخرى من الأشخاص الذين يحق لهم التمتع بوضع أسرى الحرب أو يمكن معاملتهم باعتبارهم أسرى حرب”.


 


“ولا يمكن ملاحقة أسرى الحرب بسبب مشاركتهم المباشرة في العمليات العدائية. ولا يكون احتجازهم شكلاً من أشكال العقوبة وإنما يهدف فقط إلى منع استمرار مشاركتهم في النزاع. وبالتالي، يجب إطلاق سراحهم وإعادتهم إلى أوطانهم دون إبطاء فور انتهاء العمليات العدائية. كما لا يجوز للدولة الحاجزة محاكمتهم لأعمال العنف المشروعة بمقتضى القانون الدولي الإنساني، وإنما بتهمة ارتكاب جرائم حرب محتملة فحسب”.


 


“ومن الواجب أيضاً معاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية في جميع الأحوال. وتكفل لهم الحماية من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم وفضول الجمهور. وقد عرف أيضاً القانون الدولي الإنساني الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز وتشمل مثلاً المسائل المتعلقة بمكان الاحتجاز والغذاء والملبس والنظافة والرعاية الطبية.”


 


“وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول كذلك حماية واسعة النطاق للمعتقلين المدنيين خلال النزاعات المسلحة الدولية. ويجوز لأحد أطراف النزاع وضع أشخاص مدنيين تحت الإقامة الجبرية أو اعتقالهم إذا كان هناك من الأسباب الأمنية القهرية ما يبرر ذلك. وبالتالي، يكون الاعتقال إجراءً أمنياً ولا يمكن اللجوء إليه كشكل من أشكال العقوبة. ويعني ذلك أن كل شخص معتقل يجب الإفراج عنه إذا لم تعد الأسباب التي استلزمت اعتقاله موجودة.”


 


“وتتشابه القواعد التي تنظم معاملة المعتقلين المدنيين وظروف احتجازهم بموجب القانون الدولي الإنساني كثيراً مع القواعد التي تنطبق على أسرى الحرب.”


 


“وفي ما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، تنص المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب أيضاً معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال. وهم يحظون بالأخص بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة. وأما الأشخاص الذين احتجزوا لمشاركتهم في العمليات العدائية فليسوا بمنأى عن الملاحقة الجنائية بمقتضى القانون الوطني على هذا الفعل”.


 


هنا تنتهي الفقرات المقتبسة ومن هنا تبدأ كل ألمشكلات المرشحة للاستمرار بلا حلول أو معالجات واقعية دستورية وقانونية معتبرة يمكن البناء عليها فعلاً في الوصول إلى تسويات حقيقية راسخة، قائمة على أسس قانونية وأخلاقية.


 


جماعة الحوثيين تحتجز مدناً كاملة، وآلافاً من المواطنين اليمنيين ممن وقفوا ضد مشروعها الانقلابي السلالي الغاشم، وممن كفلت لهم كل الدساتير والمواثيق حق الدفاع عن وطنهم وجمهوريتهم ووجودهم ومصيرهم وجلهم مدنيون اعتقلوا واختطفوا من بيوتهم ومقار عملهم ومن الشوارع والأحياء والأماكن العامة، ومنهم سياسيون دعاة حوار وسلام ومثقفون وإعلاميون وناشطون لم يشاركوا في الحرب ولم يحملوا السلاح ضدهم وتم الاعتداء عليهم ومصادرة حرياتهم وتغييبهم في الأقبية والزنازين وإخفاء مصائرهم سنوات قاسية وحرمانهم من أبسط الحقوق الآدمية ومنع أهليهم من زياراتهم وتعريضهم لصنوف وحشية من التعذيب والإهانة والإذلال أدت بكثيرين إلى الموت والإصابة بمختلف الإعاقات والتشوهات، كما تم تحويل الكثيرين إلى مادة للاتجار والمساومات ودفع الفديات،


كما تم تقديم العديد منهم لمحاكمات هزلية إمعاناً في ايذائهم وترهيب أهاليهم والمجتمع من حولهم، ووصلت حد إطلاق أحكام الإعدام، وغير ذلك من الجرائم والفظاعات المرعبة.


 


الفقرة الأخيرة من المادة المقتبسة تشير إلى “أن الذين احتجزوا لمشاركتهم في عمليات عدائية بأنهم ليسوا بمنأى عن الملاحقة الجنائية بمقتضى القانون الوطني”.


 


فأين نحن من كل هذا؟ ولماذا يمنح الحوثيون الحق في اتخاذ أسرى ومختطفين ومعتقلين تَرَكُوا مكشوفين بلا حماية ولا نصرة ولا تضامن، وعلاوة على إقرار كل انتهاكات الحوثة يتم إعطاؤهم المجال لتحويل المحتجزين لديهم بغياً وعدواناً إلى مادة مقايضة ومساومة ويتم الجور في الوصف والتصنيف، فيقر الآسر على حكم الأسير، وتبدو المليشيا الضالة كدولة في مواجهة دولة لا مجرد فئة مارقة منقلبة على الشرعية محاربة للوطن بأسره.


 


كيف تتم مكافأة الحوثيين على جرائم مدانة ومنكرة ومجرمة من كل الشرائع والقوانين والمواثيق وتحويلها إلى مادة أولية لاختبار الثقة والمصداقية في إنجاح المشاورات؟


 


كان المنتظر من الشرعية أن تسأل السيد مارتن جريفت ابتداءً: هل تمنح المواثيق الدولية التى تشكل المرجعيات الناظمة لعمل الأمم المتحدة الحوثيين الحق في أن يكون لهم أسرى ومحتجزين ومخفيين قسراً ومختطفين ومعذبين حتى الموت؟


 


وهل تنطبق شروط أسرى الحرب على هذه الحالة التى نواجهها؟ وهل تشمل الاتفاقات المقررة دولياً هذه الحالة الغرائبية العصية على كل التأطيرات والمواضعات السائدة؟


 


ما كان للشرعية أن يكون لها أسرى من مواطنيها. من الخطأ القاتل دفع الشرعية للاعتراف أنها قامت بأسر مواطنيها. إن لها من دستورها وقانونها ما يمنحها كامل الحق في مواجهة أي تمرد مسلح وأي انقلاب على الدولة والنظام وأي تهديد للوطن وأمنه واستقراره، وإن احتجاز وتوقيف ومحاسبة ومساءلة كل من يتورط في أعمال عدائية أو ينخرط في تنظيمات وتوجهات عنفية مسلحة خارجة عن المشروعية لهو من آكد حقوقها وأهم مسؤولياتها وواجباتها الوطنية والدستورية المفروضة.


 


وهي إذ تحارب وتجابه أي مشاريع ومخططات إجرامية مهما بلغت، لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعامل مع من تحتجز أو توقف على ذمة تلك المهددات على أنهم أسرى حرب إطلاقاً ولا كملعونبن مستحقين للموت والنفي والطرد ولا يمكنها ابقاءهم كمعاقبين دائمين سيكونون بداهة مجرد مواطنين يمنيين يخضعون لدستور الدولة وقانونها العام ومؤسساتها القضائية المسؤولة، كما قد يخضعون لاعتبارات وطنية تغلب العفو على العقوبة..


 


ما كان على الشرعية أن تقبل اعتبارها طرفاً آسراً مقابل الحوثيين. كان بوسع حكومتنا الشرعية أن تقول هؤلاء الذين نحتجزهم بكرامة هم أبناؤنا، ونحن ندرك ملابسات انخراطهم في هذه الغواية وأنهم ليسوا سواء منهم من يحتاج إلى توعية وبناء معرفي حامٍ، وثمة مرضى يحتاجون إلى التعافي وإعادة الدمج في المجتمع، وهناك يائسون تم استغلالهم ودفعهم إلى المحارق ضد كل ما هو لهم من الوطن والكبرياء، وهناك مدانون من المهم تقديمهم للقضاء والتعامل معهم بإنصاف ووفق مقتضيات العدالة. كان على الشرعية أن تقول إن إلزام الحوثيين أولاً بإطلاق المحتجزين والمختطفين والمخفيين وإنهاء معاناة آلاف المعذبين وعائلاتهم هو الإجراء المتوقع من قبل الأمم المتحدة وذلك كي توفر لنفسها حالة من الاتساق مع منظومة التشريعات والاتفاقات المنظمة لعملها عموماً وهي ترعى مثل هذه المشاورات.


 


ما يمكن أن يقدمه الحوثيون في هذا الجانب لا يمكن أن يعد تنازلاً يستوجب ما يقابله من الشرعية. لا يصح أن نسمي التوقف عن الجرم واقتراف الخطيئة تنازلاً.


 


أن يكون للحوثيين أسرى أمر غير مستغرب فهم يعدون إخوانهم اليمنيين آخرين غرباء يجب محاربتهم واستباحة دمائهم وأموالهم وبيوتهم وحبسهم وخطفهم وتعذيبهم والنظر إليهم بانتقاص وإخضاعهم بالقوة لخياراتهم وأفكارهم البالية.


 


يسعي الحوثيون لانتزاع مكاسب مقابل إطلاق ضحاياهم ومعذبيهم المقذوفين في الظلمات.


 


منذ أعوام ويمنحهم جريان الأمور على هذا النحو مجالاً للتحاذق وإبداء قدر كبير من الصلف والندية والتشدد في إملاء الشروط على مشاوريهم في مشوار استكهولم الأخير.


 


وهناك باقعة أخيرة لا ندري كيف تم القفز فوقها وتتعلق بمشاركة أفراد من المؤتمر الشعبي العام فرع الحوثي، وتطالب حكومة الشرعية في المشاورات هذه بجثة صالح الأسيرة مذ أضاف الحوثيون إلى قائمتهم المستحقة للتدليل من جريفت احتجاز وأسر جثث قتلاهم، ما هو واضح أن ممثلي جثة صالح المفترضين قد صاروا في حالة تحلل وتفسخ أشد وهم يشاركون كأموات صالحين ليس إلا…


 

زر الذهاب إلى الأعلى