ماذا سيتبقى منها ؟
الضمير في “منها” يعود إلى بعض الأقطار العربية التي دمّرتها الحروب ومزقتها الانقسامات . أما ماذا سيتبقى منها فهو سؤال اللحظة بكل محمولاته السلبية التي يعكسها الواقع المكشوف على كل الاتجاهات . وقد حرصت على أن أقول بعض الأقطار دون تسميتها فقد بلغت من الشهرة المحزنة حداً لا يضيف معه التعريف شيئاً . ويلاحظ أن واحداً منها كان من أكثر أقطار الأرض ثراءً ثم صار بعد أن ركبته الفوضى وتعاورته الحروب رهنية لمديونية ثقيلة يحتاج إلى عشرات السنين لتسديدها . وقطر آخر كان نموذجاً في التماسك والتعايش والاكتفاء الذاتي ، وفي عدد قليل من السنوات صار شظايا وأصبحت أغلب مدنه أطلالاً لا تسكنها سوى الأشباح والرياح ، وأغلب قُراه التي سلمت إلى حد ما من التدمير صارت ملاجئ وكانتونات للنازحين.
وهناك أقطار أخرى في القائمة نفسها يتسابق أبناؤها سوا كانوا في السلطة أو في المعارضة إلى تدميرها حتى لا يبقى منها شيء يبدأ منه المستقبل أو تتحقق به نواة تتمكن بها الأجيال القادمة من العبور إلى شيء اسمه المستقبل . لقد أفرطت السلطات في هذه الأقطار المبتلاة في الفتك والتدمير كما أفرطت المعارضات في التحريض والحضّ على التدمير أيضاً وصار السبق بين الطرفين السلطة والمعارضة. على من يحقق أكبر قدر من التدمير وتفتيت الأرض التي كان في وسعها أن تكون بيتاً للجميع وأن تأخذ الصراعات الدموية منها طريقاً آخر يبدأ من الحوار وينتهي بالوفاق ويحتكم إلى العقل والمنطق وأن لا يبدأ بالرصاص وينتهي بالموت لكل الأطراف التي اختارت هذه الطريق الفاجع والمخيف. والمخيف أن هذين الطرفين ولم يعدما من يقدم لهما التأييد وما تتطلبه معارك الدمار من وقود لا حباً فيهما ولكن حباً في مواصلة التدمير وحتى لا يبقى من المقومات الاقتصادية والاجتماعية ما يجعل من الوطن وطناً .
ولعل أخطر ما يرتسم على أفاق الأقطار المشار إليها هو ذلك الشعار الشيطاني المتوارث في الشعوب الأدنى قيماً ووعياً وإحساساً بالوطن ” أنا ومن بعدي الطوفان” ولا يعلم إلاَّ الله وحده مدى الخطايا والخيانات الفاجعة التي تركها هذا الشعار في حياتنا العربية وفي حياة شعوب أخرى شاء لها حظها التعيس وشاءت لها قوى الشر العالمي أن تحفر قبرها بأيدي أبنائها وهم يتوهمون أنهم يحسنون صنعاً لا نفسهم وللأقطار التي أرضعتهم صغاراً وكان جزاؤها بعد أن كبروا ما يشهده العالم من اصرار على الموت في سبيل أن ينتصر الشعار أياه وأن يأتي الطوفان الذي بدأ يلف بإعصاره الجميع دون استثناء ولا تمييز يين طرف وآخر . ومن سؤ حظ الأقطار الواقعة بين طرفي الصراع المريض أنها لم تحظ بطرف ثالث يكون همه الإنقاذ والتصحيح واستقطاب جمهور كافٍ يمثل الأغلبية الصامتة والضحية ، ولو قد نجح هذا الطرف لتمكن من إيقاف نزيف الدماء ودعا إلى استخدام العقل وحماية هذا القطر أو ذاك من الدمار الذي صار شاملاً وقريباً من الانقراض الذي صار وشيكاً واقتربت ملامحه وبات أكثر وضوحاً من أي وقت مضى ومنذ بدأت الحروب تتنامي وتأخذ أبعادها الأكثر فتكاً وخطورة ووحشية ، وما يبعثه كل ذلك من قلق حقيقي في الأقطار العربية التي ما تزال معافاة ومن حقها أن تخاف حاضرها ومستقبلها من نار الحرب ومن الطوفان أياه.
* من صفحة الشاعر على الفيسبوك – السبت 14 أبريل 2018