اتساع الاحتجاجات في إيران
منذ أيام ودائرة التظاهرات والاحتجاجات في إيران تتسع، ولم تعد هذه الاحتجاجات ذات طابع مطلبي خدمي، بل تجاوزت ذلك إلى الشق السياسي، بعدما رفع المتظاهرون شعارات تطالب طهران بالكف عن دعم الجماعات الخارجة عن القانون في أكثر من بؤرة ملتهبة، خاصة في المنطقة العربية، لأنها تستنزف الكثير من المال وتلوث سمعة البلاد باعتبارها راعية للإرهاب. كما أطلقت شعارات ودعوات تطالب بالإطاحة بالمرشد الأعلى علي خامنئي وأخرى ضد الرئيس حسن روحاني، الذي فقد مصداقيته السياسية بعد النكث بالوعود التي قدمها في الانتخابات الأخيرة، المتمثلة في تحسين أوضاع الشعب الإيراني.
لقد لوحظ في الأسابيع الأخيرة تنامي السخط الشعبي حيال السياسة التي تتبعها القيادة الإيرانية الحالية، خاصة ما يتعلق بدورها في سوريا ولبنان واليمن والبحرين، وهي السياسة التي تقود إلى تراجع دور إيران في تثبيت الاستقرار في المنطقة والعالم، ذلك أن هذا الدور لم يقدم سوى البرهان على أن طهران تغلب مشروعها التخريبي على مشاريع السلام مع جيرانها، كما هو الحاصل في تنامي دورها في سوريا، حيث توعدت بعدم الخروج منها، رغم المطالبة الروسية لها، وفي اليمن حيث تواصل دعم جماعة الحوثي، المتمردة على شرعية الدولة.
أسباب كثيرة تقف خلف الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، المستمرة منذ أيام، لكن عنوانها الرئيسي نقص الخدمات في بعض المدن، خاصة في خورمشهر وعبدان، التي توجت بالهجوم على بنوك ومبانٍ عامة من قبل محتجين، ما دفع بالسلطات الأمنية إلى مواجهتها بالقوة، أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، في صورة مكررة لاحتجاجات مشابهة شهدتها إيران مطلع العام الجاري.
من الواضح أن الاحتجاجات التي اجتاحت المدن الإيرانية المختلفة تعكس احتقاناً شعبياً كبيراً، فالوضع الاقتصادي في البلاد يمر في مرحلة صعبة ومفصلية، إذ إن سعر العملة يهبط بشكل مخيف، بعدما انخفضت قيمتها بنحو 50% مقابل الدولار خلال الأشهر الستة الأخيرة، كما ارتفع التضخم، وهو أمر متوقع، خاصة مع السياسة العشوائية التي تتبعها الحكومة في التعاطي مع الشق الاقتصادي من خلال تسخير موارد البلاد لدعم جماعات متمردة في أكثر من دولة تحت شعارات مختلفة، لهذا جاءت الاحتجاجات المتزايدة في البلاد لتعبر عن عدم رضا الشعب عن تدخل النظام في هذه الدول، لأن ذلك يقود البلاد إلى عزلة إقليمية ودولية، ويدخلها في دوامة استعداء الخارج الذي لا يرى في إيران إلا تلك الدولة المارقة، التي تكرس كل جهودها ومواردها المالية لتصدير الأزمات إلى دول المنطقة وتعميم الفوضى فيها.
في المحصلة الأخيرة لا يبدو نظام الملالي في إيران في وارد الكف عن التدخل في شؤون المنطقة، فهو يستثمر فكرة المؤامرة الخارجية من أجل إخماد التحركات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع الداخلية عبر تسخير المال المنفق على الجماعات المتمردة في الخارج لصالح الداخل، إذ إن استمرار هذه السياسة يقود البلاد مع مرور الوقت، إلى وضع اقتصادي سيئ يحمل بذرة انهيار الدولة بالكامل.