مقالات

معركة الحديدة

 


لا تقاس معركة تحرير الحديدة بالمقياس العسكري، على أهميته، بقدر ما تحققه من انكسار لهيمنة الحوثيين على المدينة بمينائها الذي يعد مفتاح الحل للأزمة الإنسانية التي تستغلها الجماعة لإبقاء هيمنتها على المدينة والميناء، بعد أن فقدت السيطرة على المطار إثر نجاح قوات الشرعية والقوات المشتركة مدعومة بقوات التحالف العربي من استعادته خلال الفترة القليلة الماضية.


معركة الحديدة مصيرية ليس لأهاليها فقط، بل ولكل اليمن، فتحرير الحديدة سيكون البوابة التي ستفضي في نهاية المطاف إلى إنهاء قبضة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء، وبقية المناطق المجاورة لها، خاصة مع النجاحات التي يتم تسجيلها كل يوم بالتقدم في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة، حيث فقدت الجماعة الكثير من المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتها منذ سنوات عدة.


تبدو معركة الحديدة كما لو أنها آخر الأوراق التي تريد الجماعة الحوثية اللعب بها، للحصول من ورائها على مكاسب سياسية تبقيها لاعباً في المشهد، لذلك أبدت استعداداً للتفاوض بشأن مينائها ليبقى تحت إشراف الأمم المتحدة وإدارتها، وهو ما كانت ترفضه سابقاً، بعد أن أدركت استحالة احتفاظها بالميناء منذ ما بعد إطلاق عملية «النصر الذهبي»، الهادفة إلى استعادة سيطرة الدولة على مختلف مناطق البلاد وقطع الموارد التي تغذي الجماعة بالمال والسلاح وتسخيرها لصالح المجهود الحربي، عوضاً عن تسخيرها لصالح الشعب، الذي يئن من جراء السياسة التي تتبعها الجماعة منذ سيطرتها على البلاد بقوة السلاح عام 2014.


تدرك الجماعة أنها بفقدان الحديدة بمطارها ومينائها فإنها تفقد القدرة على المناورة، لهذا أبدت موافقة على خضوع الميناء لسلطة الأمم المتحدة، ما يفتح باب التساؤل حول طبيعة الأهمية الاستراتيجية للحديدة بالنسبة للحوثيين حال خسارتها، وما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج. فالحوثيون يدركون أن فقدان سيطرتهم على الحديدة يضعف موقعهم التفاوضي، على الرغم من أنهم يرون ذلك مكسباً سياسياً لهم، لكن بالنظر إلى ما يمكن أن يخسروه من وراء تسليم ميناء الحديدة لإشراف دولي، فإنه يمكن القول إن شرياناً مهماً ستفقده الجماعة، وستفقد معه حلقة من حلقات التواصل المالي والإغاثي مع العالم الخارجي وخاصة إيران، التي أبدت عدم رضا عما يحدث لحلفائها في الحديدة، وأطلقت الكثير من التصريحات التي تؤكد انزعاجها من التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة في الحديدة.


سقوط الحديدة عسكرياً سيكون بمثابة بداية النهاية للانقلاب الذي أقدمت عليه جماعة الحوثي وأيدته إيران، وهي الدولة الوحيدة التي لا تزال حتى اليوم تحتفظ بسفارة لها في صنعاء، تقوم من خلالها بدور المنسق بين القيادة الإيرانية والحوثيين، وتحوّلت في الفترة الأخيرة إلى ما يشبه غرفة عمليات سياسية وعسكرية، لهذا تعلم الجماعة أن خروج الحديدة من قبضتها يعني إطباق الحصار عليها في المناطق الجبلية التي تحتمي بها وتراهن عليها في حرب طويلة، فيما تراهن الشرعية، ومعها قوات التحالف العربي على أن فقدان الحوثيين للحديدة قد يجبرها على الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي بعدما ظلت الجماعة تتهرب منه طوال السنوات الماضية.


 

زر الذهاب إلى الأعلى