الناتو العربي
يصعب الآن حسم مسألة دون إنجاز المراحل الرئيسية لها وبناء نسق تنظيمها، بمعنى أن أي شيء يمكن أن يحدث عند نقطة معينة يجعلك تختار لها المحاور وفقاً للتكافؤ ومقياس الزمن ومحور المكان، وبذلك يكون المحور الرئيسي هو تشكيل تحالف أمني وسياسي جديد مع شركاء أميركا من الدول العربية؛ بهدف التصدي للتوسع الإيراني في المنطقة، وإنشاء حلف كحلف شمال الأطلسي ولكن بنسخة عربية أو «ناتو» عربي.
لأجل هذا، يحق لنا أن نعتبر أن هذه الخطة من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عبارة عن إشارات يرسلها تبعاً لساعته ويستقبلها العالم المراقب للأحداث والتطورات السياسية في الساحة الدولية، بهدف تعزيز التعاون فيما يتعلق بالدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري ومكافحة الإرهاب، وقضايا أخرى مثل دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية، وأيضاً بمثابة تعزيز للجهود المبذولة من المملكة العربية السعودية وحلفائها ومتوجاً لمبدأ التعاون لمسيرة شاقة من الانقسامات التي أحدثتها إيران في المنطقة.
وهي في كتب الاستراتيجية تحالفات وتعاقدات وجيوش ومعسكرات ومناورات، فالضرورات قد تكون كبيرة ولكن أهمها كيف تكتشف الفرص السانحة وتقتنصها وإلا سيبقى أي قرار أو خطة مبتوراً إذا لم يسبقهما موقف محدد وصارم من التجاوزات، فالدول العظمى خبأت ملفات كثيرة في صناديق حديدية حفاظاً على مصالحها وتركت الإنسان العربي تتقاذفه أمواج شرسة من إيران وتدخلاتها، وفي حروب خاسرة لا يعلم أين يستقر ومن أي السواحل يتم انتشاله، فلو أدرك الفيلسوف جان جاك روسو هذا العصر لقال: «أي موكب من الرذائل سيصحب حالة الارتياب هذه؟ لم يعد في الصداقة إخلاص ولم يعد يوجد تقدير حقيقي»، فالأمم اليوم تمارس منهجاً متعالياً وتحدياً خطيراً جداً بعيداً عن العلوم والفنون، فهذا القرن أصبح مملوكاً ملكاً فردياً لدولة دون أخرى، وتشريعه يكافئ الأقوى فقط.
فمنذ عقد من الزمن تجري الحوارات بين الشكل والمضمون، ولكن تُركت إيران حتى تم دعم الحوثيين بشكل ممنهج عدة سنوات تطورت إلى هجمات مدعومة من نظام طهران على المملكة العربية السعودية، بل شكلت أيضاً خطراً بتعميق الأزمة الإنسانية الهائلة في اليمن والملاحة البحرية وحركت السفن الناقلة للنفط وتهديد الاقتصاد العالمي.
فالغرب الأوروبي ضعف دوره في السياسة الدولية، لذلك لم يكن لهم أي فاعلية تُذكر في أزمة اليمن أو اتخاذ موقف من صواريخ إيران على السعودية سوى التنديد بسياسة إيران التخريبية، باستثناء التحركات الأخيرة بعد العقوبات المفروضة من أميركا على إيران وانسحاب الشركات الأوروبية التي تتعامل معها، فهم قوة تريد الصعود دون الآخرين بعيداً عن الأزمات السياسية والاقتصادية.
لكننا نرى اليوم أن المجتمع الدولي لن يقف على الحياد بعد تعطيل حركة شحنات النفط وتأثيره على الأسواق العالمية، وتسليط مزيد من الأضواء على الترسانة الصاروخية للحوثيين، ويمكن أن نفهم أن «ناتو» عربياً أصبح ضرورة ملحة أولاً لتوحيد المواقف والأهداف العربية وثانياً لصد تمدد إيران وتوسعها على حساب دول المنطقة والدفاع عن جغرافيتها السياسية.
فبعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي وتزايد عدوانية إيران تحركت فكرة الناتو العربي لدى الإدارة الأميركية، مما طرح تساؤلات السياسيين والمحللين والدراسات الاستراتيجية حول أهداف أميركا من هذا الناتو، هل هو لعقد صفقات السلاح أم عودة الاستقرار والسلام للمنطقة وتحجيم دور العدو الإيراني؟
كون المصالح بين أميركا وحلفائها مشتركة، يظهر لنا محتوى خطة ترمب وشكلها لالتقاء المصالح في مواجهة العدو الإيراني الذي يهدد أمن دول المنطقة ومصالح أميركا.
الشرق الأوسط