دلالات الانتصار في الحديدة
الانتصارات الأخيرة التي حققتها قوات الشرعية في اليمن، مسنودة بدعم من التحالف العربي في محافظة الحديدة، أعادت تأكيد أن الطريق إلى السلام يبدأ من هذه المحافظة، وأن معركة تحريرها لا تقاس فقط بالجانب العسكري، بل بكسر شوكة المتمردين، الذين يرفضون الحلول السلمية، كانت آخرها مشاورات جنيف الخميس الماضي، حيث أظهرت لا مبالاة تجاهها، وفضلت خيار التعنت برفض كل ما قدم لها.
وقد سجل التقدم الكبير لقوات الشرعية والتحالف العربي خلال اليومين الماضيين في الحديدة، خاصة الاستيلاء على منطقتي الكيلو 10 والكيلو 16 أهمية استثنائية، لأن هاتين المنطقتين كانتا منفذين لحصول المتمردين على إمدادات من بقية المناطق التي ما زالوا يسيطرون عليها بقوة السلاح، بعد استيلائهم على مقدرات الدولة بكافة مؤسساتها العسكرية والأمنية بانقلابهم على الشرعية في سبتمبر/ أيلول من عام 2014.
التحركات والانتصارات الأخيرة في الحديدة سيكون من شأنها دفع جماعة الحوثي للعودة إلى جادة الصواب، والتفكير ملياً في الخيارات المتاحة أمام الجميع، المتمثلة بدرجة رئيسية في الحل السياسي، الذي ترفضه في الوقت الحاضر تحت نشوة الشعور بالقوة، لكنها ستكون مجبرة على الأخذ به عندما تشعر بأن الأرض بدأت تتحرك من تحت أقدامها، وأنها لم تعد قادرة على فرض هيمنتها ومشروعها بالقوة.
لا شك أن معركة الحديدة مصيرية ليس لأهاليها فقط، بل ولكل اليمن، فتحرير الحديدة سيكون نقطة انطلاق لإنهاء قبضة الجماعة الحوثية على العاصمة صنعاء، وبقية المناطق المجاورة لها، خاصة مع النجاحات التي يتم تسجيلها كل يوم بالتقدم في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للجماعة، حيث فقدت الكثير من المناطق التي كانت تقع تحت سيطرتها منذ سنوات عدة.
وتبدو معركة الحديدة آخر الأوراق التي يدرك الحوثيون أنهم بخسارة السيطرة عليها سيفقدون القدرة على المناورة السياسية والعسكرية والمواقف المخادعة بعد رفضهم كافة المبادرات التي تقدمت بها الأمم المتحدة ووافقت عليها الشرعية اليمنية لتجنيب المحافظة ويلات الحرب، من بينها تسليم ميناء الحديدة إلى الأمم المتحدة للإشراف عليه، بعد أن تأكد أن الجماعة تستخدمه في تهريب الأسلحة، وسرقة المعونات الغذائية لصالح مجهودها الحربي، وبالتالي أصبح الحسم العسكري الخيار الوحيد أمام قوات الجيش الوطني، الذي لن يتوقف عند محافظة الحديدة، بل سيشمل كافة المناطق التي لا تزال تخضع لسيطرتها.
لا شك أن سقوط الحديدة عسكرياً سيكون بمثابة بداية النهاية للانقلاب الذي أقدمت عليه جماعة الحوثي ضد الشرعية في البلاد ولقي تأييداً من إيران، وهي الدولة الوحيدة التي لا تزال حتى اليوم تحتفظ بسفارة لها في صنعاء، تقوم من خلالها بدور المنسق بين القيادة الإيرانية والحوثيين، وتحولت في الفترة الأخيرة إلى ما يشبه غرفة عمليات سياسية وعسكرية، لهذا تعلم الجماعة أن خروج الحديدة من قبضتها يعني فقدان القدرة على ممارسة الخداع للرأي العام المحلي والعالمي، وأنها ستكون بداية الطريق لتبديد حلمها في حكم اليمن.