مقالات

فك الارتباط بين الحل والإشكالية

 


لم يكن مسالة فك الارتباط نتاج حالة مزاجية طارئة, بل فرضته الظروف حينها, بشعور القيادة الشريكة في الوحدة , ان الطرف الأخر يستحوذ على القرار والسلطة ويلعب على التناقضات ويغذي صراعات سلبية , يقوي قوى ألا دولة من قوى تقليدية ونفوذ قبلي عقائدي عشائري على حساب أدوات الدولة ليضعف دور الأحزاب ( التعددية )والديمقراطية .


عبرت الجماهير في 1993م في التظاهرة الشعبية في شارع مدرم عن رغبتها بفك الارتباط لحماية التعددية والشراكة والديمقراطية , لترسيخ مبادئ الدولة الضامنة للمواطنة والحريات , دولة النظام والقانون , دولة وثيقة العهد والاتفاق لتسوية الملعب السياسي وبناء مؤسسات دولة حقيقية تعيد الاعتبار للوحدة كهدف سامي , فك الارتباط بالقوى التقليدية ونفوذ المصالح والأطماع والفساد والاستبداد, والترحيب بأي جغرافيا تحدد موقف من تلك القوى لتلتحق بركب الدولة المنشودة .


فك الارتباط هو الوجه الأخر لحق تقرير المصير المكفول بالمواثيق الدولية , فلا عيب فيه بل العيب في استثماره من قبل بعض المنافقين كشعار للترويج, وهم يؤسسون لواقع يخدم مصالحهم وأطماعهم , واقع يفقد فيه الوطن سيادته والمواطن إراداته , وطن مرتهن ومسلوب ومهان فريسة الأطماع قوى محلية وإقليمية ودولية .


فك الارتباط ليست كليشة للترويج, بل هو قيمه ومبدأ للحل ,في ترسيخ الدولة المنشودة , تجلت في مخرجات الحوار الوطني بالدولة الاتحادية , التي تعطي الحق في الشراكة الحقيقية في السلطة والثروة وحق تقرير المصير , وإرادة الشعب هي العليا , لا زعامات ولا أصنام مناطقية طائفية سلاليه تعبد .


صار فك الارتباط مشكلة عندما تحول لفك ارتباط للجغرافيا, دون ضمانات لشكل الدولة وجوهراها , برؤية غير منطقية , نستعيد دولتنا ولن نختلف سنتفق على كل شي , والمنطق يقول إذا اختلفنا حينها ستكون كارثة بكل معانيها , في ظل فقدان الضوابط والضمانات ستنفلت الأمور إلى ما لا يحمد عقباه , وسينفرط العقد ويتناثر على طول الساحة حبات متنافرة بل متناحرة , خاصة وان العقد مكون من عصبيات مختلفة ولازالت أثار الماضي تلوح في الأفق , وتهددنا من حين لأخر .


فك الارتباط يحتاج لتهيئة بحيث يمر بمراحل تضمن النجاح بسلاسة وقبول وتوافق كل أطراف الجنوب بل والشمال دون إقصاء وتهميش وإلغاء واجتثاث, وهذا يتطلب التوافق على صيغة مشتركة لدولة ضامنة للمواطنة والحريات , ويتطلب أيضا استفتاء على مبادئ وأسس فك الارتباط , فدراليه أو اتحادية أو دولتين, هذا ما يحدده شعب الجنوب والشمال معا بكل أطيافهم وألوانهم بحرية وشفافية .


واقعنا اليوم يبرهن أننا في مشكلة, مشكلة الكيانات الطارئة التي أوجدتها تلك العقلية, على شكل عصابات ومليشيا , ترهب الناس لتفرض واقعها الاستبدادي ونظامها الديكتاتوري , ترفض الرأي والرأي الأخر تغتاظ من كلمة الحق والحقيقة , وجهت بندقيتها لصدور أصحاب الكلمة والصحافة والصحفيين والإعلاميين , وكل المعارضين السياسيين , في محاولة لتجريف المجتمع من تنوعه والاختلاف الايجابي الذي يثري التعايش .


كلما طالت فترة الحرب تتكشف أفكار وثقافة القوى المتصارعة وأهدافها,  تمعن جيدا في الانتهاكات والسجون السرية, ماذا يعني لنا إحراق مؤسسة الشموع وصحيفة أخبار اليوم ؟ ومداهمة مساكن السياسيين والصحفيين, ومنع مراسلي القنوات الفضائية من تغطية فعالية في مطار عدن؟ أسئلة كثيرة تثير القلق في المستقبل المنشود والقوى الطارئة التي تفرض نفسها علينا وتفرض سياستها العقيمة, لتجرنا لنظام استبدادي كهنوتي ديكتاتوري نرفضه, وسنتصدى له بكل ما أوتينا من قدرة, لن نسمح بتبديد أحلامنا وطموحاتنا بالدولة الضامنة للمواطنة والحريات ولو على جثثنا.


 

زر الذهاب إلى الأعلى