مقالات

يوم عدن

 


مساء يوم الثلاثاء الماضي تذكرت كلمة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي كال خلالها لعنات غليظة للذين يرضون لعاصمة بلادهم الأشياء غير المرضية.. كان ذلك في العام 2014 تقريباً، حين دبت الفوضى الأمنية في العاصمة صنعاء..


 


يوم الثلاثاء 21 إبريل هطلت أمطار على العاصمة المؤقتة عدن، ورأينا سيلَ العرم يدلف أبواب الدكاكين والبقالات والأفران، ويحوِّل الشيخ عثمان إلى بحيرة تسبح فيها القمامات، ورأينا البالوعات تطفح في المنصورة وفي كل مكان، وسيارات تغرق، وأناساً في كريتر والمعلا يُجرَفون إلى ذمة الله، وأعمدة التيار الكهربائي في البريقة تتطاير منها شرر كأنها تتنافس في مهرجان ألعاب نارية.


 


في المساء كان ظلام الكون مجموعاً في عدن التي أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة لليمن ريثما يتمكن من استعادة العاصمة السرمدية صنعاء.. وقالت هيئة الكهرباء إنَّ التيار لن يعود قبل مساء اليوم التالي.. لا يبدو أنه سيعود في الموعد، إذ أسمع الآن -وأنا أكتب هذه الكلمات- أسمع محطة الحسوة تنفخ وتئن أنيناً، لو تدرون ما أرحم صاحبته!


 


يوم ممطر في عدن.. لكن النعمة تحوَّلت إلى نقمة بفضل الشرعية.. يوم عدن مثل أيام العرب الأول.. يوم الغبراء، ويوم ذي قار، ويوم البسوس، ويوم الفجار.. وإن شئت قل يوم الشرعية الفاجرة.


 


قلت لأحد أصحابي، من جعل العاصمة المؤقتة عدن تواجه هذا المصير وحيدة؟ قال لي هو ذلك الذي لعن من قبل أولئك الذين رضوا للعاصمة السرمدية ما حل بها، وهو يقرأ الآن خبر جمعهم للتبرعات لإنقاذ عدن، نكاية به وبحكومته السافلة.


 


سمعت غير مواطن في حي الممدارة يقولون: رئيسنا مخزِّن ومولع في الفندق هناك في الرياض، ونحن هنا لا ماء ولا ضوء ولا تلفون ولا تلفزيون ولا انترنت، ولا شيء يري الدنيا كيف حالنا في هذا المساء، ويعلم الله كيف علم معين عبد الملك بحالنا فغرد تغريدات الشحت الراقي.


 


أحد المثقفين قال: اليوم فقط عرفت كم هي تلك الدعوة غير وجيهة التي تطلب من الرئيس هادي وحكومته العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن.. الدعوة ليست غير وجيهة فحسب، بل ماكرة.. تطلب بعض الأحزاب السياسية اليمنية من الشرعية العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن، ويطلب منها ذلك كثير من الكُتَّاب والصحفيين، وبعض أطراف تحالف دعم الشرعية، لكي يتخلصوا من هذه الشرعية.. إذ ما إن يعودوا سوف يثأر الناس منهم لأنفسهم، لأنهم أذاقوهم الفقر والجوع والخوف ومياه المجاري ومياه سيول مخلوطة بالقمامات والجيف.


 


في حي عمر المختار رأيت اليوم صبية يسبحون في بحيرة تكونت في اليوم السابق، أي يوم 21 إبريل من مطر وفيضان البالوعات.. مررت بشارع التسعين ورأيت أمواج المحيط الهندي رأي العين، باستثناء أن الذي يثيرها سيارات رباعية الدفع وأطقم عسكرية، وليس الرياح.. سائقو سيارات الأجرة يتجنبون المرور في بحيرات العاصمة المؤقتة.. شفقت لمجموعة بشرية تبحث عمن يقلها.. صعد إلى جواري رجل وقور.. قلت له: أهذه عدن؟ أهذه العاصمة المؤقتة لليمن؟ وين صاحبكم؟ وين حكومته منذ خمس سنوات؟ وين مليارات الدولارات الأميركية، والسعودية والإماراتية؟ فجاءني برد نصفه محيِّر، والنصف الثاني مهبِل.. قال: نشتي علي عبد الله صالح يرجع.. وقال يا جماعة افهموا الرئيس وحكومته يعاقبون عدن والجنوب بسبب المجلس الانتقالي الجنوبي.. كيف يمكن لهم إثبات أن الانتقالي مش تمام؟ إذن يحاربوننا لكي نغضب عليه، بينما نحن عارفين أن عوائد الموانئ تذهب للشرعية، والضرائب والجمارك تجبيها الشرعية، والمساعدات والقروض الخارجية تسلم للشرعية.. قلت: للصوص!


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى