عصبية أنا وابن عمي على الغريب
ندوات عالمية حول الإسلام.. مؤتمرات يجتمع فيها كبار رجال الدين المسلمين لمناقشة المشاكل التي تعترض الإسلام، والأزمات التي يمر بها إسلام اليوم.. حوارات يتصدر لها رجال في الأزهر ودور الإفتاء الرسمية حول المأزق الإسلامي في عالم متغير، وحول الموقف من الإرهاب.. عشرات الكتب والبيانات تصدر تباعا حول حاضر الإسلام ومستقبله، وعن مظاهر التطرف والعنف في العمل الإسلامي.. فعلامَ يدل كل هذا إن لم يدل على أزمة يمر بها الإسلام وأهله؟ ولأن الأمر كذلك فإننا نتفهم كل أشكال الفعالية تلك ونتقبلها، باستثناء أهل التقليد والجمود، والصبية الأغرار الذين لا يعلمون ولا يفقهون، ومع ذلك يبرزون لمناطحة كبار أهل الفقه والعلم.
نتفهم ونتقبل ونصمت أمام كل تلك الفعاليات الناقدة للإسلام حد التجريح، لأنها منا، أو لأن أصحابها منا.. لكننا ننفعل ونغضب غضبة مضرية تهتك حجاب الشمس، وتنتهك الممتلكات العامة والخاصة، وتخرب الشوارع وتعصف بأشجارها، إذا جاء النقد أو الشكوى من الغريب.. أحدث مثال لذلك الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال في بداية شهر أكتوبر الماضي إن الإسلام في فرنسا، وفي جميع أنحاء العالم يمر بأزمة.. عبارة قالها الفرنسي هي لا تزن ربع مثقال مما يقوله اصحابنا في الإسلام خلال حواراتهم وتآليفهم، والمؤتمرات والصحف وقنوات التلفزة.. عبارة قالها ماكرون ليست ذات وزن مهم، مع ذلك أثارت غضب مؤسسات وجماعات وافراد في العالم الإسلامي، ورأينا وقرأنا بيانات الاستنكار والمظاهرات والاغتيالات.
القضية الأساسية عند ماكرون هي ما يعني فرنسا والفرنسيين كونه الرئيس الثامن للجمهورية الفرنسية الخامسة.. قد أشار هذا إلى الإرهابيين، أو -حسب تعبيره- الإسلام الراديكالي الذي بات يشكل خطرا على فرنسا، لأنه يطبق قوانينه الخاصة ويضعها فوق كل القوانين الأخرى، فيؤدي في كثير من الأحيان إلى خلق مجتمع مضاد.. وفي المقابلة التي أجرتها معه قناة الجزيرة، والتي قيل إنه قدم خلالها اعتذارا للمسلمين، كرر قولته عن أزمة الإسلام.. ومثال ذلك الإسلام الفرنسي.. إذ اعتبر سلوك الإرهابيين المسلمين هناك ابرز مظاهر الأزمة، وأنهم مع كونهم لا يفهمون الإسلام، فإن الذين يفهمونه يتواطأون معهم، وهذه مشكلة عامة عندنا أيضا!.. وقياسا إلى المجتمعات الأوروبية الأخرى، يبدو أن مشكلة الفرنسيين –بمن فيهم نحو ستة ملايين مسلم فرنسي- كبيرة، فمعظم الإرهابيين هناك فرنسيون، تم تنشئتهم في فرنسا ولم يأتوا من خارجها.. فما الذي يثير حنقنا عندما يتحدث فرنسي عن خطط لإيجاد قوانين صارمة في مواجهة الانعزال الإسلامي في فرنسا.. الانعزال الذي يعبر عن نفسه من خلال إبعاد الأطفال عن المدارس، واستخدام الأنشطة الرياضية والثقافية والأنشطة المجتمعية الأخرى لتعليم مبادئ لا تتوافق مع قوانين الجمهورية الفرنسية.. لا بد أن هناك جهات متضررة من التشريعات التي ستشمل إلغاء استضافة رجال دين من خارج فرنسا، ومتضررة من الرقابة على المنظمات والمساجد والتمويل الخارجي والتعليم في المنازل.
نعود، ونقول: إن عبارة قالها الرجل، أثارت كل هذا الغضب عند المسلمين، بينما مؤسسات تعليمية وثقافية عربية- إسلامية، ترجمت تآليف مستشرقين مثل كارل بروكلمان، ورودنسون، ومنتغمري وات، وبرنارد لويس، وغيرهم، ونشرتها للناس، واعتمدتها ضمن المقررات التاريخية والدراسات الإسلامية في جامعات عربية، على الرغم من أن صفحة في كتاب من كتب مستشرق مثل مونتغمري وات عن الإسلام وعن نبيه وعن القرآن، مشحونة بإساءات ومطاعن تتواضع أمامها كل العبارات التي وردت في أحاديث الرئيس الفرنسي وخطبه من حين تولى الرئاسة.. ألم أقل لكم، إن الغضبة ليس في مكانها، ولا هي لوجه الإسلام ولا لمشاعر المسلمين، بل لجماعات أوشكت على فقد بعض مصالحها الدنيوية والعيش الرغيد في فرنسا؟