ضوء كاذب في نفق الحرب اليمنية
- إهدار المزيد من الوقت في الصراع بين القوى المعادية للحوثي يمنح إيران المزيد من المكاسب في توقيت دولي يشهد تزايد وتيرة النشاط الدولي من أجل وضع حد للحرب في اليمن.
تصادف هذه الأيام الذكرى السادسة لاندلاع الحرب اليمنية، في ظل مشهد شديد التعقيد وأكثر انقساما تتعثر فيه خيارات السلام والتسوية السياسية وتراوح مكانها رهانات الحسم العسكري، مع بروز بوادر انفراج لا يبدو أنها ستقود إلى طي حالة الصراع اليمني المزمن، حتى وإن نجحت في تغيير قواعد الاشتباك ووضع الأطراف المحلية وجها لوجه أمام إخفاقاتها في إيجاد مشتركات وطنية، نتيجة ما يعتبره البعض طغيانا للعامل الأيديولوجي واستلاب قرار الحوثيين من قبل إيران في المقام الأول، ولكن ليس الأخير.
وبالرغم من الاصطلاح إعلاميا على اعتبار تاريخ 26 مارس 2015 بداية للحرب اليمنية، إلا أن هذه الحرب بدأت فعليا بعد الاجتياح الحوثي للعاصمة اليمنية في 21 سبتمبر 2014 وقيام الجماعة الفتية المشحونة بعقد “المظلومية”، والمسكونة بهواجس الأيديولوجيا بالانقضاض على الدولة والفتك بالمكونات والقوى الداخلية واستجلاب العداوات القاتلة وغير المحسوبة مع الإقليم، من قبيل تنفيذ مناورات استعراضية على الحدود اليمنية – السعودية وتسيير جسر جوي بين صنعاء وطهران ومن ثم تجاوز كل الخطوط الحمراء السياسية والجغرافية والتقدم صوب عدن.
ويظل السؤال الأهم في الذكرى السادسة لانطلاق عمليات “عاصفة الحزم وإعادة الأمل” وتشكيل التحالف العربي بقيادة السعودية، هو ماذا أنجزت هذه الحرب خلال سنواتها الست، وكيف تبدو خارطة اليمن السياسية والعسكرية اليوم، وهل حقق التحالف العربي أهدافه؟ وماذا صنعت “الشرعية” إزاء هذا الدعم منقطع النظير الذي حصلت عليه من محيطها العربي؟ وهل بات السلام ممكنا بعد ست سنوات من الحرب؟
والواقع أن الذكرى السادسة للحرب تكتسب أهمية خاصة، حيث تأتي في ظل تطورات هائلة في كل المسارات على خلاف الحال مثلا في العامين السابقين، حيث كان الجمود السياسي والعسكري سيّد الموقف باستثناء تصاعد حالة الصراع في معسكر المناوئين للانقلاب الحوثي وتحول هذا الصراع إلى اقتتال داخلي عنيف في جنوب اليمن، في مقابل نجاح ميليشيات الحوثي في إعادة تشكيل القوة داخل معسكرها بعد التخلص من شريكها الأبرز الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه، والاستعاضة عن تلك الشراكة القلقة والمليئة بالشكوك بتمثيل صوري لبعض القوى والمكونات التي قبلت بالواقع الجديد الذي يتحول فيه الشركاء إلى مجرد تابعين، فيما تركز النفوذ كله في أحد كهوف صعدة، حيث يختفي زعيم الجماعة، ليبثّ الكثير من الخطب المسجلة والوكلاء والمتحدثين باسمه والقابضين على جوهر سلطاته الواسعة التي لا تقبل النقاش!
وإذا ما استعرضنا أبرز التحولات السياسية التي يدخل بها اليمن عامه السابع من الحرب نجد أن تصاعد الحراك الدولي والأممي المستجيب للتغيرات التي شهدتها الانتخابات الأميركية في المقام الأول واحدة من أبرز ملامح المرحلة، حيث بات المجتمع الدولي أكثر إصرارا على إغلاق ملف الحرب في اليمن على علاّته وتشوهاته التي أفرزتها نشوة النصر الحوثي وما ينطوي عليه من أجندة إيرانية، تسعى لاستخدام ملف اليمن كورقة على طاولة المشاورات بين طهران والعالم حول الملف النووي وتبعاته السياسية والاقتصادية الأخرى التي تأتي في طليعتها رغبة النظام الإيراني في الاعتراف به كقوة إقليمية خارقة، برأس واحدة وأربع أذرع مسلحة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وما يجعل التحولات السياسية أكثر فاعلية مع دخول الحرب اليمنية عامها السابع، هو عامل الوقت الذي يأتي في ظل اختراق عسكري حوثي تكلل بتكثيف هجمات ميليشيات الحوثي على محافظة مأرب الاستراتيجية، بعد تمكّن تلك الميليشيات من عكس العديد من نتائج الحرب لصالحها، واستعادتها لمناطق تم تحريرها مثل منطقة نهم ومحافظة الجوف ومناطق متفرقة في محافظة البيضاء، كنتيجة مباشرة لفشل سياسي وعسكري في إدارة المعركة تتحمل قيادة “الشرعية” اليمنية الوزر الأكبر منه.
ولولا حساسية التوقيت، ربما كان المشهد قد يبدو أكثر إيجابية، بعد أن استطاع التحالف العربي بقيادة السعودية، بعد عام شاق من الحوار السياسي الذي تخللته المواجهات العسكرية والإعلامية بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبعض مكونات “الشرعية”، من التوصل إلى حل جزئي لمعضلة كان لها الدور الأبرز في منح الحوثيين انتصارات غير مستحقة، مستغلا الصراع المتفاقم بين الأطراف المناوئة له، وقد تكللت جهود التحالف تلك بتوقيع “اتفاق الرياض” الذي يعد تحولا سياسيا بارزا، كان بالإمكان أن تكون نتائجه أكثر فاعلية في مواجهة المشروع الإيراني في اليمن، إذا ما تم قبل ذلك بعامين.
ولا يبدو أن التداعيات التي نشهدها اليوم كانت صادمة ومفاجئة للتحالف العربي الذي وصلته إشارات دولية واضحة بأن إهدار المزيد من الوقت في الصراع بين القوى المعادية للحوثي، سيمنح مشروع إيران المزيد من المكاسب في توقيت دولي بالغ الحساسية، وهو الأمر الذي نعايشه اليوم بالفعل، مع تزايد وتيرة النشاط الدولي من أجل وضع حد للحرب في اليمن، عبر دعم مقترح لوقف إطلاق النار والبدء في مشاورات سياسية بين الحكومة اليمنية والحوثيين، وفقا لخطة صاغها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، ومرت بمراحل من التعديل، شاركت كل القوى اليمنية والإقليمية في إضفاء بصمتها عليها، بما في ذلك إيران، التي زارها غريفيث للمرة الأولى، بعد أن صارت أكثر وقاحة في التباهي بدورها في اليمن، واستعراض قدراتها على تحديد الخيارات والمواقف الحوثية، أكثر من أي وقت مضى، بعد أن أصبح لديها ما يشبه “الحاكم العسكري” في اليمن، وهو الضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن إيرلو الذي ظهر في صنعاء بشكل مفاجئ بصفته سفيرا لطهران لدى حكومة الحوثي التي لا تعترف بها إلا طهران نفسها.
وكما جنى الحوثيون العديد من المكاسب العسكرية نتيجة الانقسام في المعسكر المقابل لهم، ألقوا كذلك بكل ثقلهم، لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية جديدة، للاستفادة القصوى من حالة الارتباك التي أظهرتها إدارة الرئيس الأميركي إزاء الملف اليمني، وإرسالها المزيد من الرسائل الخاطئة، مدفوعة باعتقاد خاطئ أن تلك الرسائل الرقيقة قادرة على جلب ميليشيات عقائدية مدعومة من خصم عنيد مثل إيران لطاولة الحوار السياسي.
وعلى وقع الصخب السياسي الدولي الذي يشهده الملف اليمني، عادت التصريحات المفعمة بالأمل للحديث عن اتفاق وشيك، وهي الآمال التي كان الحوثي يبددها سريعا من خلال رفض المقترحات بمجرد التفوه بها من قبل المسؤولين الدوليين. وكان آخر تلك المقترحات التي سارع الحوثي إلى رفضها، المبادرة السعودية لوقف الحرب في اليمن التي أفقدت الحوثي أهم ثلاث أوراق كان يستخدمها طوال الفترة الماضية كذريعة لرفض التسوية السياسية، والتي يبدو أنه في طريقه لتعويضها في المرحلة القادمة بمبررات جديدة وطرح اشتراطات أكثر تعقيدا للهروب من استحقاقات السلام الذي ينشده العالم.
والحقيقة أن من خاضوا العشرات من جولات الحوارات والاتفاقات مع الحوثيين، يدركون تماما أن هذا الطريق الذي يسلكه العالم لحل الأزمة اليمنية، لن يقود في نهاية المطاف إلى أي سلام منشود أو تسوية حقيقية، وهو شعور بدأ يتسرب، ولكن ببطء شديد للمجتمع الدولي.
كما لا تعني القناعة بعدم جدوى الاتفاقيات السياسية مع الحوثي، الإيمان بجدوى الحرب، فالصورة الكاملة التي تكرّست لدى كل من درس الحالة اليمنية وقرأ خلفيات الحرب والصراع، تشي بأن الجسد اليمني يعاني من مرض انتهازي صعب المراس اسمه “الحوثي”، قد لا يتغلب عليه قريبا، ولكنه سيتغلب عليه في نهاية المطاف، وعبر تفاعلات داخلية بحتة!