معركة مأرب تحدد وجهة الصراع مستقبلا في اليمن “من يسيطر على مناطق الغاز والنفط وعلى ماذا يراهن الحوثي؟”
- تشكل جبهة مأرب المشتعلة منذ أشهر نقطة حاسمة في الصراع الدائر للسيطرة على المدينة الاستراتيجية والغنية بالغاز والنفط، وسط استماتة من ميليشيات الحوثي لتحقيق انتصار يمكّنها من الارتكاز على ملف قوي في مفاوضاتها المحتملة مع الحكومة. كما أن التصعيد العسكري يوحي بأن المدينة ورقة تفاوضية إيرانية تستغلها طهران في مفاوضاتها مع القوى الغربية، خاصة وأن نتيجة المعركة تعتبر حاسمة لكل الأطراف، فأيّ طريق سيرسمه الوضع في مأرب الآن؟
لم تتجاوز بعد مدينة مأرب الاستراتيجية، التي يشن الحوثيون هجوما عنيفا عليها منذ فبراير الماضي، مرحلة الخطر، فالمدينة تعد أحد أهم معاقل الحكومة اليمنية، والسيطرة عليها بمثابة الإمساك بزمام الأمور في شمال اليمن.
وتحذر دوائر حقوقية وسياسية يمنية من تداعيات كارثية على الوضع الإنساني جراء استمرار الميليشيات في هجومها العنيف للسيطرة على مأرب، التي ينظر إليها على أنها واحدة من أهم المدن اليمنية، والتي ستحدد وجهة الصراع المستمر منذ سبع سنوات.
وترى هذه الدوائر أن الميليشيات بدعم واضح من إيران تريد السيطرة على المدينة لما تحتويه من مكانة اقتصادية كبيرة في اليمن قبل التوصل إلى أي اتفاق لوقف إطلاق النار لتعزيز موقفها التفاوضي. وتتهم الحكومة اليمنية ميليشيات الحوثيين برفض مبادرة السلام التي تهدف إلى وقف إطلاق نار شامل وإعادة فتح مطار صنعاء والعودة إلى المفاوضات السياسية.
ولم يتحقق بعد أي اختراق ميداني ملحوظ في مأرب منذ بدء الحوثيين هجماتهم المكثفة على المدينة، ورغم نجاح القوات اليمنية بدعم من التحالف العربي في صد تلك الهجمات، إلا أن الخطر مازال مستمرا لاسيما أن الجيش اليمني لم يتحول بعد إلى مرحلة الهجوم.
وتسيطر حكومة “الشرعية” في اليمن على معظم مناطق مأرب، التي تحتوي على مواقع للغاز والنفط وفيها محطة مأرب الغازية التي كانت قبل اندلاع الصراع تغذي كافة المحافظات بالتيار الكهربائي.
خارطة القوة
تخشى الأمم المتحدة ودول عدة فاعلة في الملف اليمني من عواقب وخيمة وكارثية للمعارك المستمرة في المدينة على الوضع الإنساني، خاصة أن مأرب تحتضن الآلاف من النازحين الذين فروا من أماكن شهدت معارك طوال فترة الحرب. وتقول المنظمة الأممية إن مأرب تحوي أكثر من مليون نازح، كأكبر تجمع يمني للنازحين، فيما تقول الحكومة اليمنية إن عدد النازحين في المدينة تجاوز 2 مليون.
ويرى الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب أن مدينة “مأرب لم تتجاوز مرحلة الخطر بعد، وأنها ستواجه المزيد من الهجمات الحوثية من عدة اتجاهات، نظرا لأن وضع المدينة مرتبط بعوامل كثيرة أولها المكاسب التي تنعكس على الحوثيين سياسيا واقتصاديا وعسكريا”.
وتراهن ميليشيات الحوثيين كثيرا على الإمساك بزمام الأمور العسكرية والأمنية في المدينة، وتستميت في القتال بهدف تحقيق تقدم سريع، لاستغلال تلك التطورات المحتملة لصالحها في أي مفاوضات متوقعة لإنهاء الأزمة اليمنية، خاصة في ظل الحراك الدولي المستمر في هذا الشأن.
وتعد المدينة الاستراتيجية من وجهة نظر يمنية أنها المحدد الأساسي لوجهة الصراع الدائر في اليمن، وأنها نقطة ارتكاز وقوة أساسية لدى أطراف الأزمة، لما تعنيه المدينة من أهمية عسكرية واقتصادية.
ويوضح المحلل السياسي والصحافي اليمني صالح البيضاني “أن من يتفحص التحولات التي طرأت على خارطة القوة في اليمن منذ بداية الحرب وحتى الآن، يجد أن تلك الحرب بدأت بسيطرة الميليشيات على إمكانات الدولة وقدراتها لخوض حرب توسعت إلى محافظات جنوب اليمن”.
ويقول البيضاني، إن “المقاومة الشعبية التي تشكلت بشكل تلقائي وتمكنت بدعم سخي من التحالف العربي في تحرير مناطق شاسعة وإعادة الحوثيين إلى مناطق الشمال، جعلتهم لم يتمكنوا من إكمال السيطرة عليها نتيجة فشل اجتياح محافظة مأرب النفطية وخسارتهم لاحقا مناطق في الجوف وصنعاء (نهم) وصولا إلى الحديدة”.
وأوحت التطورات الميدانية والاشتباكات المتصاعدة في مأرب بأن النظام الإيراني لن يسمح بنزع الورقة اليمنية من يده، خاصة في ظل تعقيدات يواجهها ملفه النووي مع القوى الكبرى، قبيل التوصل إلى اتفاق نهائي جديد. ويرى خبراء يمنيون أن التطورات اليمنية من جهة تصعيد الحوثي ترتبط أساسا بما تمليه عليهم إيران، وأنها تستخدمهم كورقة في مفاوضاتها السياسية.
ويرى عبدالسلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات أن “الوضع في مأرب مازال معقدا، لأنه يرتبط بأهداف التحالف العربي ووضع الحكومة اليمنية والمفاوضات الإيرانية – الأميركية، بالإضافة إلى توجه الحوثيين”.
ويوضح أن “الحوثيين يريدون السيطرة على مأرب بالقوة كونها تعتبر مصدرا اقتصاديا مهما، فيما وضعت واشنطن الملف على طاولة المفاوضات مع إيران، ورفعت اسم جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب دون أي مقابل”.
ويرى مراقبون أنه قد يطرأ تحول في الموقف الأميركي من الجماعة الحوثية في الفترة القادمة ردّا على تصلّبها الذي تسبّب في تبديد جهود بايدن للدفع قدما بعملية السلام، وهو ما تمت ترجمته عبر الحديث الأميركي الأخير عن الانزعاج الشديد من هجمات الحوثيين على مأرب.
ويعتبر عبدالسلام أن “الإدارة الأميركية تضغط على الحكومة اليمنية من أجل الذهاب لإيقاف الحرب كونها واحدة من وعود الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء حملته الانتخابية”، مشيرا إلى أن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران لم تحرز تقدما، ما جعل واشنطن تضع بعض قيادات الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، وهو أمر غير مجد بالنسبة إلى الجماعة المدعومة من طهران.
وتحدث بأن إيران ترى أن السيطرة على مأرب مهمة جدا، لأنها تعني تأمين سيطرة الحوثيين على شمالي اليمن، “ويمكنهم مستقبلا مهاجمة الجنوب، في حال ذهاب الأوضاع إلى أبعد مما نتصور”.
وكان الصحافي اليمني عبدالوهاب بحيبح الذي ينتمي إلى محافظة مأرب أشار في تصريحات سابقة لـ”العرب” إلى استماتة الميليشيات في السيطرة على المدينة الاستراتيجية، باعتبار أنها تعد رأس الحربة في مواجهة الميليشيا الحوثية وهي نواة المقاومة الأولى ضد المشروع الحوثي الإيراني في اليمن، وتعد المهدد الأول لسلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء نظرا لقرب المحافظة المقاومة من العاصمة اليمنية صنعاء.
سيناريوهات متوقعة
يقول الباحث اليمني عبدالسلام محمد إن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة حول مستقبل الأزمة في مأرب واليمن بشكل عام تتمحور أساسا حول إما قبول الحوثي بالسلام على الحدود التي وضعها لنفسه على الأرض وتكون هناك مفاوضات مستقبلية، أو يدخل مأرب وهو الأمر الذي يواجه رفضا دوليا واضحا.
ويتمثل السيناريو الآخر بالنسبة إلى عبدالسلام بأن يتحول الجيش إلى مهاجم ويصل إلى أطراف صنعاء ويحصل ضغط دولي على الحوثيين من ناحية عسكرية من خلال التقدم الميداني في محافظات أخرى مثل الحديدة والبيضاء والجوف.
ويعول الحوثيون على عامل الوقت في معركتهم من أجل السيطرة على مأرب، خاصة في ظل حراك دولي يهدف إلى إيجاد صيغة اتفاق معينة لإنهاء الصراع المتواصل منذ سبع سنوات.
حكومة “الشرعية” تسيطر على معظم مناطق مأرب، التي تحتوي على مواقع للغاز والنفط وفيها محطة مأرب الغازية التي كانت قبل اندلاع الصراع تغذي كافة المحافظات بالتيار الكهربائي
وتعمل الميليشيات للسيطرة على مأرب لأنها تمنحهم اليد العليا في المفاوضات. ويشكو مسؤولون يمنيون من الحذر الأميركي والدولي من تأجيج الحرب اللامتناهية، ومنعهم من الحصول على الأسلحة المطلوبة لتحقيق تقدم عسكري في مأرب.
وتعد معارك مأرب هي الأعنف منذ اندلاع الصراع، وقد أسفرت عن وقوع خسائر بشرية غير مسبوقة بصفوف الطرفين، فضلا عن تسببها بخسائر في صفوف المدنيين، والفائز في تلك المعركة هو من يكون أقوى في أي مفاوضات مقبلة.