الكشف عن أخطر اختراق استخباري لمواقع متقدمة في الشرعية وأسرار الاغتيالات والتفجيرات التي استهدفت قيادات رفيعة
كشفت الاعترافات التي بثها التلفزيون الرسمي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لأعضاء خلية تجسس حوثية كانت تعمل داخل الجيش الوطني اليمني ومقر قيادة وزارة الدفاع بمأرب، عن حجم الاختراق الحوثي لبعض مؤسسات “الشرعية”، والنشاط الاستخباري الحوثي المتزايد.
ووفقا لمراقبين يعد الفيلم الذي بثه التلفزيون الرسمي، مساء السبت الماضي، تحت عنوان “خيوط العمالة”، ويتضمن اعترافات لعناصر خلية حوثية في مأرب، أول اعتراف رسمي من قبل الحكومة الشرعية بوجود اختراق حوثي لبعض مؤسسات الجيش.
وتضمن التسجيل اعترافات لضباط يعملون في وزارة الدفاع اليمنية بمأرب، من بينهم ضابط رفيع برتبة عميد (خالد الأمير) يتولى منصب مدير دائرة المستودعات في هيئة الإسناد اللوجستية بالجيش، وأحد أقربائه برتبة ملازم ويدعى “باسم علي عبده الصامت”، كان يتولى عمليات الترصد والتصوير وإرسال الإحداثيات والتواصل مع قيادات الاستخبارات التابعة للحوثيين في صنعاء.
وبحسب مصادر عسكرية فقد لعبت هذه الخلية دورا أساسيا في تحديد مواقع اجتماعات قادة الجيش الوطني في مأرب، ومن بينهم وزير الدفاع محمد علي المقدشي ورئيس هيئة الأركان صغير بن عزيز اللذان تعرضت اجتماعات برئاستهما لقصف صاروخي حوثي مباشر، أسفر عن مقتل بعض مرافقيهم، إضافة إلى دور الخلية في تحديد مواقع مخازن السلاح ومساكن بعض القادة القبليين والعسكريين.
وكشفت الاعترافات التي وردت على لسان أحد أعضاء الخلية الذي قام بزيارات متعددة لصنعاء التقى خلالها بقيادات عسكرية وأمنية حوثية بارزة، من بينها عبدالحكيم الخيواني الذي يدير جهاز الأمن القومي التابع للحوثيين، عن دور مباشر لإيران في توجيه الصواريخ والطائرات المسيرة، حيث عقد أحد الاجتماعات بحضور عناصر إيرانية وعراقية.
وقال وزير الإعلام اليمني معمر الأرياني إن التسجيلات كشفت عن “معلومات خطيرة باعترافات مسؤول الخلية التجسسية التابعة لميليشيا الحوثي”.
وأضاف الأرياني “تؤكد (هذه الاعترافات) تواجد خبراء من إيران والميليشيات العراقية ضمن غرف عمليات الحوثي، ومشاركتهم في الإعداد للهجمات الصاروخية التي تستهدف الجيش الوطني والأحياء السكنية في المناطق المحررة، والمواقع المدنية في دول الجوار”.
ووصفت مصادر سياسية إعلان وزارة الدفاع اليمنية عن ضبط الخلية الحوثية، بأنه أول حديث رسمي للحكومة اليمنية حول هذا الملف المسكوت عنه، والذي ظل يثار خلال السنوات الماضية على مستوى الناشطين والصحافيين اليمنيين ومواقع التواصل الاجتماعي.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن حجم الاختراق الاستخباري الحوثي أكبر بكثير مما هو معلن، حيث سخرت الجماعة الحوثية منذ الانقلاب في سبتمبر 2014 موارد هائلة لتعزيز نشاطها الاستخباري والتجنيد، مستفيدة من سيطرتها على المؤسسات الأمنية في العاصمة صنعاء مثل جهازي الأمن القومي والأمن السياسي، والاستحواذ على قاعدة بيانات الدولة الاستخبارية وأرشيفها.
ولفتت المصادر إلى أن النشاط الحوثي في هذا الجانب لم يقابل بتحرك مواز من قبل الحكومة الشرعية، التي فشلت في تكوين أجهزة بديلة، إضافة إلى عدم الاهتمام بملف الحرب الاستخبارية التي كانت تدار من قبل طرف وحيد طوال السنوات الخمس الماضية من الحرب.
اختراق الصفوف الأمامية
وقال الصحافي اليمني المتخصص في الشأن العسكري عبدالوهاب بحيبح إن “قضية الخلية الحوثية ربما تكون أسدلت الستار على ملف كبير يعاني منه الجيش الوطني ويتمثل في تولي أشخاص غير موثوقين مناصب حساسة في الجيش”.
وأشار بحيبح في تصريح لـ”العرب” إلى أن “السبب الأبرز لتولي ضباط -مثل خالد الأمير زعيم الخلية المضبوطة ومن على شاكلته- مناصب حساسة في الجيش راجع إلى عدم وجود معايير في التعيينات، حيث تخضع هذه التعيينات للولاءات الشخصية والقرابات أو المناطقية وتبادل المصالح، وهو ما جعل الجيش الوطني مسرحا للعملاء والمشتبه فيهم”.
ولفت الصحافي اليمني إلى أن “قيادة الجيش الوطني إذا أرادت تحصين المؤسسة العسكرية من الاختراق فعليها مراجعة كافة التعيينات التي صدرت في كافة الدوائر والإدارات الحساسة وتمكين القيادات التي أثبتت جدارتها على أرض الميدان طوال الأعوام الستة الماضية”.
وطالب قيادة الجيش الوطني بتفعيل دور جهاز الاستخبارات العسكرية ودعمه بالإمكانات اللازمة وربطها بشكل فعال مع فروعها في المناطق والألوية وكافة الوحدات العسكرية، ورفع كفاءة التنسيق في ما بينها.
وسلطت تقارير صحافية يمنية خلال السنوات الماضية الضوء على تجنيد الميليشيات الحوثية خلايا ناعمة من النساء تباينت أدوارها بين التجنيد ونقل المعلومات وحتى زرع القنابل؛ كما هو الحال مع ما يعرف بخلية “سونيا عبده” في عدن التي تولت اختراق قيادات في الجيش، وزرع عبوات ناسفة بهدف الاغتيالات، وزعزعة الأمن في المناطق المحررة، قبل أن يتم القبض عليها في يونيو 2017، لتفر من سجن البحث الجنائي في عدن بعد ذلك بطريقة غير معروفة حتى اليوم.
وإلى جانب التجسس ونقل المعلومات والتحرك بحرية مستغلة بعض العادات الاجتماعية في اليمن، أشارت تقارير إعلامية إلى نشاط خلايا نسائية تابعة للحوثيين في اليمن وبعض الدول العربية حيث تقيم قيادات سياسية وعسكرية مناوئة للحوثيين. وانحصر دور هذه الخلايا، بحسب مصادر إعلامية، في الإيقاع ببعض تلك القيادات ومن ثم تجنيدها تحت طائلة التهديد والابتزاز أو إجبارها على الصمت وعدم اتخاذ أي موقف سياسي مناهض للحوثيين.
وسلطت وسائل إعلام يمنية ودولية الضوء في وقت سابق على دور مفترض للقيادي الحوثي سلطان زابن، مدير البحث في مناطق الانقلاب، والذي يتولى بحسب تلك المصادر مهمة تجنيد النساء وابتزازهن وإجبارهن على العمل مع الحوثيين ضمن الخلايا الناعمة.
وقالت مصادر يمنية لـ”العرب” إن تركيز الحوثيين على الجانب الاستخباري، واستيلاءهم على الأجهزة الأمنية اليمنية، وإعادة توظيفها في حربهم ضد الحكومة اليمنية، منحهم أفضلية في العديد من مسارات الصراع والحرب، وساهم في تمكينهم من الكثير من خطط وتحركات الجيش اليمني، إضافة إلى تمكنهم من اختراق بعض مؤسسات الحكومة السياسية والعسكرية والأمنية.
وأشارت المصادر إلى أن الحوثيين لم يكتفوا بالسيطرة على المؤسسات الاستخبارية التابعة للدولة اليمنية بعد الانقلاب، بل عملوا كذلك على إنشاء أجهزة موازية خاصة بهم، مثل جهاز الأمن الوقائي الذي حصل على دعم لوجيستي مباشر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني لتنفيذ مهام داخلية وخارجية.
وفي يناير 2015 سرب الحوثيون، بعد انقلابهم بحوالي أربعة أشهر، مكالمة هاتفية بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومدير مكتبه آنذاك أحمد عوض بن مبارك، في محاولة للضغط على الرئيس هادي، كما يُعتقد أنهم قاموا -بعد سيطرتهم على كل من جهاز الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي- بتسريب عدد من الوثائق والتسجيلات السرية للغرض ذاته.