مقالات

مستقبل الإخوان بعد أحداث تونس

نهج التمكين في أجهزة الدولة، يكتب فيه الإخوان شهادة وفاة لأحزاب الإسلام السياسي من مصر إلى تونس، وغداً اليمن. 

*  *  * 

إصلاحيو اليمن أكثر غضباً من إخوان تونس.  

إنهم يستحضرون ما جرى في مصر، ويدعون أعضاء النهضة أن يلبسوا في الحال أكفانهم، ويموتوا في ساحات الجهاد دفاعاً عن سلطتهم المسلوبة، قبل أن يُعلقوا على المشانق في الشوارع، أو يموت رئيس النهضة في السجن كمحمد مرسي.   

السلطة عند كل الإخوان غنيمة وحق إلهي مكتسب، والسياسة لديهم عبوة ناسفة، سيارة مفخخة، حرب شوارع  وبندقية.  

إرهابيون بالتنشئة، دعاة سفك دم. 

*  *  * 

ذهنية التغلغل والاستحواذ، والتسرب الناعم نحو مفاتيح الدولة والوظيفة العامة، سمة مشتركة للإخوان، معها يصبح هذا التيار حاضراً في كل تركيبة حكومية بأغلبية ملحوظة، ومن دون هذا الحضور الغالب يرتبك المشهد السياسي، وتذهب البلاد إلى المجهول.  

هكذا تغلغل إخوان تونس، وهكذا أرادت الإجراءات الأخيرة أن تعيد ضبط التوازنات السياسية، وإجبار الإخوان على الانكماش في حدود تُرسم لهم، أقل مما وصلوا إليها عبر أساليب التمكين الملتوية، من المحاصصة إلى التمرير الناعم الخفي والمسكوت عنه، صوب دواليب الحكم المتوسطة والعليا.   

ليس هناك من مؤشرات قطعية من أن الرئيس التونسي سيذهب بعيداً في صدامه مع النهضة، كما ليس هناك ما يومئ أن تناغماً سياسياً رئاسياً سيحدث، مع تطلعات الشارع التونسي، الذي ضاق ذرعاً من هيمنة الإخوان، ومحاولتهم قطر الدولة الحداثية بعيداً وخارج الحداثة، والقذف بها نحو الفكر الظلامي، المعادي للحريات والحقوق المدنية.   

حتى الآن الأنظار تتجه نحو الخطوة التالية، لما بعد قرارات التعليق للبرلمان، وإقالة الحكومة وتفعيل الفصل 80 من الدستور، وما إذا كانت ستتدحرج الأحداث باتجاه المواجهة واسعة النطاق مع الإخوان، أم الاكتفاء بالتلويح الرئاسي بعبارة أنتم لستم أقوياء، ونحن قادرون على تكسير مكامن قوتكم حد التهشيم الكامل، لجسم الإخوان السياسي التنظيمي في عموم البلاد.  

بيد الرئيس ملفات يطالب الشارع التونسي بعدم التعاطي معها كورقة ضغط وحسب، بل طرحها أمام القضاء، وكشف تفاصيلها بشفافية مطلقة، كملفات نهب المال العام والمنح، وغسيل الأموال والتداخل مع المنظمات الإرهابية، وملف الاغتيالات، وإضعاف السيادة عبر التمحورات الإقليمية، كالعلاقة مع قطر وتركيا والتنظيم الدولي، وغير ذلك الكثير مما تطالب به القوى السياسية، والشارع التونسي المتقدم كثيراً في أطروحاته إزاء الإخوان، عن مؤسسة الرئاسة الحذرة حد احتمالات التراجع تحت تأثيرات بيانات الضغط متعددة الأطراف.  

ذهاب الصدام حد كسر العظم، يربك عموم المشهد في شمال أفريقيا لغير صالح تنظيمات الإسلام السياسي، حيث ترمي بظلالها القاتمة  على إخوان ليبيا، في الاستحقاق الانتخابي القادم، كما تؤثر على حكومة المغرب ذات التوجه الإخواني، وكذا الحال في الجزائر، وعموم التنظيمات الإسلاموية العنفية في الساحل.  

لماذا تثار الشكوك حول استعداد الرئيس التونسي، إلى عدم قطع خط الرجعة، وإبقاء ممكنات التسويات قائمة مع النهضويين؟ 

ربما الخشية من انزلاق البلاد نحو العنف، إذا ما قرر الإخوان استخدام السلاح بدعم من تركيا وقطر، ومؤازرة إخوان ليبيا وتشبيك العلاقة مع التيارات الإرهابية في الدول المجاورة، إذا ما وصلت تونس إلى إنتاج نموذجها الخاص، المتطابق بالنتيجة مع ما حدث في مصر، مع اختلاف الآليات والوسائل، وربما الخوف من تكرار التاريخ الدموي التسعيني في الجزائر، بين السلطة وجبهة الإنقاذ من سفك دم، أثناء عشرية الجمر. 

عموماً ما زال المشهد التونسي مشرع الأبواب، أمام كل الاحتمالات، من عملية جراحية موضعية بتكاليف أقل، إلى تدابير ذات كلفة عالية، وبينهما تبقى ممكنات التسوية السياسية مع الإخوان، المحبطة للشارع قائمة. 

*  *  * 

ما يحدث في تونس وتوصيف ماهيته، بحاجة إلى قليل من التريث قبل إطلاق الأحكام الباتة وتسميته بالانقلاب أو تصحيح المسار.  

في تونس لم يُحل البرلمان بل تم تجميده، وفي تونس لم يُغلق الباب أمام الإخوان بل ما زال موارباً، وبيان اتحاد الشغل أيد القرارات الرئاسية تأييداً مشروطاً بتدابير لاحقة، تعيد الديمقراطية إلى المسار الطبيعي.  

سعْيد لم يقطع كلياً مع النهضة، وهم أحد داعميه في الانتخابات، وهو ابن التجربة الإسلامية بانتمائه لأحد مسميات فسيفساء الإسلام السياسي.  

النهضة بدورها أقدمت على توجيه رسالة محددة الأبعاد، غير واسعة النطاق باعتصام رئيسها الغنوشي، أمام البرلمان لبعض الوقت ثم الانسحاب، ما يعني أن خيار النزول النهضوي إلى الشارع لم يُتخذ بعد، وأن مشاورات تُجرى بين الرئاسة والنهضة واتحاد الشغل، لحصر التداعيات في أضيق نطاق، وعدم توسيع رقعة المواجهة، والانحدار نحو ردود أفعال عنف غير منضبط.  

توصيف ما يحدث في تونس غير مكتمل الأركان، وبالتالي يظل مفتوحاً على تجاذبات عدة، أهمها تقليص قوة الإخوان وهيمنتهم على مفاصل الدولة، والحد من أثر قوتهم الناعمة، والعمل على خلق بيئة سياسية طاردة لخطابهم الديني، وتجفيف مجال نفوذهم الاقتصادي، ورسم تحالفات حزبية جديدة، تضمن إبقاء النهضة كرقم غير مقرر، وبلا ثلث معطل في البرلمان، في الانتخابات القادمة.  

مرة أُخرى الرئاسة لم تغلق الأبواب في وجه معاودة الحوار مع النهضة، ولم تقطع سياسيا معهم، ولم يتم إلغاؤها من ساحة العمل السياسي بفرمان نافذ أو إرادة تصعيد شامل.  

ما حدث في مصر تجريم الإخوان بقوة القانون والدستور، فيما في تونس لم تصل المواجهة إلى حد إعادة إنتاج النموذج المصري، لسبب بسيط أن إخوان تونس استوعبوا الدرس تماماً، وأصبحوا أكثر مرونة وطول نفس، وقدرة على ضبط ردود الفعل، أقل هياجاً وتوتراً ورهاناً على العنف وقوة الشارع.  

انقلاب ،أم تصحيح مسار، أم تقليم أظافر؟  

أظن ما زال الوقت مبكراً لإصدار الحكم، وإن كنت أكثر ميلاً لوصف ما حدث، بإعادة ضبط القوة وجزجزة مخالب الإخوان، بتخفيض سقف حضورهم، والإطاحة بهم خارج سلطة اتخاذ القرار. 

زر الذهاب إلى الأعلى