عن سلام يمني لا يلوح في الأفق!


تاريخ الحوارات اليمنية دام ومصحوب بالانقلاب على مخرجات تلك الحوارات والتنصل منها، حتى بات شائعا في الشارع اليمني التندر بالحروب التي عادة ما تأتي في أعقاب كل اتفاق سلام يوقعه الفرقاء اليمنيون، كما حدث في 1994 عندما علا هدير الدبابات بعد التوقيع مباشرة على وثيقة العهد والاتفاق، وتكرر ذلك بشكل جزئي من خلال اتفاقات هدنة تخللت حروب صعدة الست وكانت الحرب تأتي بحجم الاتفاق الذي تم إبرامه بين الدولة اليمنية والحوثيين حينها وصولا إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل في العام 2013 الذي كان استراحة محارب بالنسبة إلى الحوثيين، وما أعقب ذلك من اجتياح جماعة الحوثي لصنعاء على وقع ما سمي باتفاق السلم والشراكة في سبتمبر 2014 وهو الاتفاق الذي لم يعرف اليمن بعده سلما ولا شراكة.
وفلسفة الحروب الضارية التي تأتي في أعقاب الاتفاقات الهشة ليست حكرا على اليمن فقط، فقد جاءت الحرب العالمية الثانية على سبيل المثال كما يقول المؤرخون كنتيجة لمعاهدة فرساي التي اعتبر الألمان أنها أذلت كبرياءهم القومي.
والحقيقة أن معادلة السلام الحقيقي صعبة ودقيقة وتأتي في سياق القوة والقدرة على فرض هذا السلام من قبل طرف منتصر، إما تكون دوافعه انتقاميه تجاه الطرف الآخر المهزوم، كما حدث للألمان في أعقاب الحرب العالمية الأولى أو يكون انتصارا مصحوبا ببعض الحكمة والرغبة في وقف عجلة الصراع، كما هو الحال عندما تبنى الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية مشروعا لإعادة إعمار ألمانيا واليابان.
وليس كلامي السابق تأصيلا لفكرة تشاؤمية سائدة حول إمكانية تحقيق السلام في اليمن، ولكنها قراءة تستند إلى بعض من الواقعية بعيدا عن الرؤية الرومانسية التي يتبناها المجتمع الدولي والأمم المتحدة للحرب في اليمن، والتي تقوم على محاولة إقناع الأطراف المتحاربة باستخدام خطاب رومانسي مثالي لا يمت للسياسة بصلة، بقدر ما يشبه دروس تعليم الفضيلة والحث عليها في المدارس الدينية الداخلية التي عادة ما يعثر على بقايا أشلاء بشرية مدفونة في حدائقها بعد ذلك!
وفي مقابل الرؤية الغربية الرومانسية لإنهاء الحرب في اليمن من خلال المزيد من الندوات وجلسات الحوار المغلقة في الفنادق والتي عادة ما يستثنى الفاعلون من الدعوة إليها، يبدو أن فرصة دول الجوار الإقليمي لليمن أكثر قدرة ونفاذا إلى عمق الأزمة اليمنية، وقد كان لمجلس التعاون الخليجي تحديدا تجربة استثنائية فريدة ولافتة في التاريخ اليمني المعاصر وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في العام 2011 التي استطاعت أن تنزع فتيل حرب وشيكة كانت تلوح في الأفق.
وقبل ذلك كان للسعودية دور في إنهاء الحرب الأهلية اليمنية في سبعينات القرن الماضي، غير أن ظروف توقيع مثل هذه الاتفاقات كانت محققة على الأرض وكانت هناك أطراف قوية وأخرى ضعيفة، وكانت هناك حلول ترضي غرور الطرف المنتصر وتحفظ ماء وجه الطرف المهزوم، كما كانت هناك ضمانات تحظى باحترام وثقة الفرقاء وهو أمر ليس مستبعدا اليوم مع المبادرة التي أعلن عنها مجلس التعاون الخليجي لعقد مشاورات يمنية – يمنية، حيث تتمتع الدوحة ومسقط بعلاقات قوية مع الحوثيين وتحظى السعودية والإمارات بثقة الأطراف المكونة لجبهة المناوئين للحوثي أو جلهم.
غير أنه لا يمكن التفاؤل بقبول الحوثيين لهذه المعطيات، بالنظر إلى جموحهم العسكري الذي ما زال طاغيا في ظل أنباء عن تحشيدهم لجولة جديدة من محاولات إسقاط مأرب عسكريا، كما أن ارتهان قرارهم بطهران أكبر من أن تؤثر فيه مسقط أو الدوحة هذا إذا افترضنا أن العاصمتين على استعداد للعب مثل هذا الدور في حث الحوثيين على الجلوس على مائدة السلام بعيدا عن تأثير طهران وسطوتها وأهدافها الخاصة، وهي أمور اتضحت جليا مع كل تصعيد حوثي على وقع الابتزاز الإيراني للغرب بهدف انتزاع مكاسب سياسية حول مفاوضات الملف النووي.
يمكن النظر إلى دعوة مجلس التعاون الخليجي بمثابة محاولة أخيرة لإبراء الذمة ودفع الحوثيين إلى التخلي عن الارتباط بالمشروع الفارسي والعودة إلى الصف العربي والعمق الإقليمي الطبيعي والثقافي لليمن، وهو أمر لم يتأخر الحوثيون كثيرا في التعبير عن رفضهم له من خلال خطاب لا يخلو من لغة الاستعداء لجيران اليمن والتأكيد على الارتباط العضوي الذي لا رجعة عنه بمشروع إيران القائم على مبدأ التبعية والإذلال الأيديولوجي!

Exit mobile version