هل نجح البنك المركزي في تحقيق اهدافه من مزاداته العلنية لبيع العملات؟!
أكمل البنك المركزي اليمني من مقره الرئيسي في العاصمة عدن، عاما كاملا على تنفيذ مزادات علنية لبيع عملات أجنبية على منصة إلكترونية للبنوك التجارية والإسلامية، دشنها البنك في العاشر من نوفمبر / تشرين الثاني من عام 2021.
مرت مزادات البنك المركزي اليمني البالغ عددها خلال عام نحو 51 مزادا تقريبا، بثلاث مراحل، بدأها البنك بعرض مبلغ 15 مليون دولار للبيع، قبل أن يرفع سقفها مطلع العام الجاري إلى 20 مليون دولار، وأخيرا استقرت عند 30 مليون دولار معروضة للبيع في كل مزاد، وبلغ إجمالي ما تم بيعه نحو مليار دولار أمريكي، بما يعادل أكثر من تريليون ريال يمني بالمتوسط.
وأوضحت قيادة البنك المركزي اليمني السابقة وكذلك الحالية أن الهدف الأساسي من هذه المزادات يتمثل في تخفيض الطلب على العملة الأجنبية وامتصاص السيولة من العملة المحلية المتكدسة في السوق، خارج الدورة النقدية للبنك، في سبيل تحقيق استقرار بأسعار صرف العملات الأجنبية والحد من انهيار الريال اليمني.
وكان آخر تقرير رسمي نشره البنك المركزي اليمني في شهر أغسطس / آب الماضي، أكد فيه أن إجمالي معروض النقد الأجنبي المقدم من البنك المركزي في المزادات بلغ 895 مليون دولار حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، فيما بلغ إجمالي قيمة العطاءات المقدمة نحو 734 مليون دولار، فيما سجل إجمالي قيمة المبالغ المخصصة التي تم بيعها نحو 673 مليون دولار حتى نهاية الشهر ذاته، ولكن نفذ البنك بعدها 10 مزادات تقريبا حتى مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
ووفقا للتقرير، فقد أعلن البنك المركزي اليمني استيعاب 749.58 مليار ريال يمني من السوق المحلية جراء هذه المزادات حتى نهاية أغسطس/آب الماضي، ما نسبته 16% من حجم القاعدة النقدية في ذات الفترة، مشيرا إلى أن ذلك يعد خطوة مهمة نحو إدارة فعالة للسيولة باستخدام أدوات السياسة النقدية القائمة على السوق.
تقرير البنك المركزي كشف أيضا عن ارتفاع متوسط أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني حتى نهاية شهر أغسطس/آب إلى 1155 ريالا لكل دولار في السوق، وهو ما قد يؤكد آراء بعض خبراء الاقتصاد والمهتمين بالشؤون النقدية والمالية، بأن المزادات وحدها لا تكفي لإحداث استقرار كبير في أسعار الصرف بالسوق، لاسيما مع غياب أدوات وتدخلات نقدية وإجراءات إصلاحية أخرى.
خلل كبير
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مساعد القطيبي، إن مزادات البنك المركزي اليمني لبيع عملة أجنبية كان لها دور إيجابي، تمثل في إيجاد استقرار نسبي في أسعار صرف العملات، خلال الفترة الماضية.
وأضاف القطيبي في تصريح لـ”إرم نيوز”: “ليست وحدها المزادات هي ما ساهمت في ذلك، بل هناك جملة من الإجراءات الأخرى التي اتخذها البنك المركزي خلال الفترة الماضية، ومنها الإعلان عن المنحة أو الدعم السعودي الإماراتي الذي خلق حالة من التفاؤل، وساهم بشكل نسبي في حالة من الاستقرار بالسوق، بالإضافة إلى ما وصل من هذا الدعم المخصص لوقود محطات الكهرباء، الذي كان له دور إيجابي أيضا، كونه ساهم في تخفيض الطلب على العملات الأجنبية من السوق”.
وتابع: “هناك تحرك نفذه البنك المركزي اليمني خلال الفترة الماضية تجاه شركات ومؤسسات الصرافة والبنوك، وعمل عدد من الضوابط، لكن بشكل عام تظل تلك الإجراءات ناقصة، وأمام البنك الكثير من الإجراءات والمهام التي كان يفترض أن يضطلع بها لضبط الاختلالات القائمة في السوق، وما زال هناك خلل كبير موجود، وما زالت مشكلة عدم اكتمال الدورة النقدية قائمة، نتيجة تلكؤ البنوك وشركات الصرافة عن القيام بدورها الحقيقي في التكامل وإعادة تفعيل الدورة النقدية وسلامتها”.
وأوضح القطيبي أن “اللوائح والضوابط التي وضعها البنك المركزي للبنوك وشركات الصرافة بقدر ما أوجدت بعض الانضباط، إلا أنها قد حدت بشكل كبير من تشجيع القطاع المصرفي على القيام بدوره، وخصوصا موضوع إنشاء وتأسيس البنوك التجارية والمتخصصة التي نحن بحاجة لها، لكن وضع شروط كبيرة أمام تأسيسها من قبل البنك وعدم مرونته، في هذه المرحلة سيعيق العمل، في الوقت الذي نرى الطرف الآخر بصنعاء يتعامل مع هذه القضية بنفس الشروط والمعايير السابقة دون تعجيز. ونخشى أن يتسبب هذا الاختلال الكبير في هجرة رؤوس الأموال إلى المناطق غير المحررة لإنشاء بنوك وشركات صرافة”.
وحول تأثير انخفاض الصادرات النفطية جراء التهديدات الحوثية على مزادات البنك، أشار القطيبي إلى أن “هناك تأثيرا سيطال مزادات البنك المركزي الأسبوعية لبيع العملة الأجنبية، وفي حال استمرت الممارسات الحوثية بقصف موانئ تصدير النفط وإيقاف عمليات التصدير، سيواجه البنك المركزي مشكلة كبيرة، وقد تنخفض لديه السيولة من النقد الأجنبي التي تمكنه من الاستمرار في تنفيذ المزادات، وهو ما سيؤثر على السوق وأسعار الصرف بصورة أكبر”.
استقرار شكلي
من جانبه، يرى الباحث والمحلل الاقتصادي ماجد الداعري أن “ما حققه البنك المركزي اليمني في عدن من كل تلك المزادات لا يمثل غير نزر قليل، حافظ من خلاله على استقرار شكلي متذبذب لصرف العملة عند حدود نسبية تتراوح بين الألف والألف والمائتي ريال للدولار الواحد، وفوق الـ300 ريال يمني للريال السعودي”.
وأوضح الداعري في تصريح لـ”إرم نيوز” أن “هذا سعر كبير مقارنة بالتأثير المفترض لضخ البنك أكثر من مليار دولار في أقل من سنة، لكني شخصيا أعتبره إنجازا إذا ما استطاع البنك أن يفرض هذا الصرف بشكل مستقر دون استمرار الانهيار يوما بعد يوم وخاصة بعد توقف تصدير النفط، والتأثيرات الاقتصادية المفترضة على الصرف جراء توقف عشرات الملايين من الدولارات، المفترض توريدها للبنك المركزي بعدن، وليس إلى البنك الأهلي السعودي، وهو ما يجعل التأثيرات السلبية لتوقف تصدير النفط محدودة جدا ولا تكاد تذكر، بدليل أن الصرف لم يتأثر كثيرا رغم استمرار هجمات الحوثي على الموانئ وتعطيل صادرات النفط الخام من حضرموت وشبوة”.
لم تحقق أهدافها كاملة
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي أيمن العاقل أن مزادات البنك المركزي لم تحقق أهدافها كاملة، معددا أسباب ذلك بثلاثة أسباب وعوامل.
وقال العاقل في تصريح لإرم نيوز: “أولا، كان أحد شروط المزاد أن يتم التوريد نقدا مقابل العملة الأجنبية، وبالتالي هناك بعض العمليات تمت من خلالها بيع العملة الأجنبية مقابل حساب”.
وأضاف: “ثانيا، قبل بيع المزاد كان يحصل تلاعب في السوق مما يؤثر على سعر الصرف وعلى سعر المزاد، وهذا يدل على أن المستفيد من سعر المزاد هو المتحكم في السوق المصرفي، وما البنك المركزي إلا أداة لتنفيذ العمليات والحصول على العملة بشكل قانوني”.
وتابع: “ثالثا، لم تتحسن أسعار السلع مقابل تحسن صرف العملة المحلية، بل زادت في الارتفاع أضعاف ما كانت عليه في العام الماضي في أوج انهيار الريال اليمني عندما وصل إلى 450 ريالا أمام الريال السعودي، بالإضافة إلى أن المستفيدين من المزادات هم تجار معينون”.
يذكر أن تقرير البنك المركزي اليمني الشهري الصادر عن شهر أغسطس/آب 2022 كشف عن وجود عجز نقدي في الموازنة العامة للدولة مقداره 203.8 مليار ريال، مبينا أن إجمالي الإيرادات العامة بلغ 1402.4 مليار ريال، بينما بلغت النفقات العامة 1606.2 مليار ريال.