عُمَر دُوكم شهيد الخطباء والمثقفين والثائرين.

 


تعز تخرج لتودّع أحد وأهم أعلامها البارزة على طريق التطور الفكري والثقافي والعلمي والتجديد الديني الملتزم لهذه المدينة الثوريّة الباسلة الصامدة الحرة، إنه الأستاذ الفذ، والخطيب المجدّد، والداعيّة المتقد، عمر دوكم خطيب أحد وأهم وأكبر جوامع تعز ومساجدها الفارقة، جامع العيسائي بالأجينات قلب تعز النابض، الشهيد عمر دوكم هو ذلك الرجل الذي استطيع وصفه بأنه (شهيد الخطباء والمثقفين في تعز).هو عَلم من أعلام تعز الثقافيّة والأدبية، في الثقافة الإسلاميّة الشاملة، وفي التفكير الديني الوسطي المعتدل،  والأخذ المتوازن المتكامل كمنهج حياة. هو فخر لتعز كما هو مفخرة للوطن كله واليمن كلها بالتمام والكمال.


الشهيد عمر دوكم- رحمه الله- هو من الفائزين الفالحين في الدنيا والآخرة بإذن الله تعالى، ولا نزكيه على الله، فالله هو حسيبه، ذلك هو منظورنا البشري إليه، بدلالة أنه يُمثل أولويّة استئصاليّة عاجلة في قوائم الأعداء المتربصين الدوائر بتعز وأخيارها، ويُمثل أولويّة إغتياليّة في عالم المساجد وأئمتها وخطبائها العقلاء الأفذاذ في تعز فكان الفداء وكان الشهيد. هو صاحب الخطاب المؤثر والفعال في جمهور الناس العامة والخاصة، ولأنه من المدرسة التجديديّة في الأداء والإلقاء والتناول.  يجتهد ويُجدّد، ويُقدم الإسلام في بوتقة معاصرة جذابة، ويُهدي أفكاره في باقة من الزهور المتفتحة والورود الأريجية الفوّاحة. يقرأ الآيات والأحاديث والآثار والسِّيَر والتاريخ قراءة جديدة مقبولة ومُقنِعَة. يمزج ثقافته بآرائه وقناعاته المؤصَّلة المُدلّلة. رسائله التي يبعثها إلى أعداء الله والدين والوطن تأتي قوية وهادفة وموجعة، وأساليبها مُلهبة ومؤلمة؟!.


    الشهيد عمر دوكم خطيب مشارك في علوم كثيرة دينيّة ودنيويّة، إذ هو خطيب وأديب، ثوري وتحرري، ديني ووطني، تربوي وأخلاقي، كيف وهو أحد الخطباء البارزين لساحة الحريّة منذ  ثورة فبراير 2011 حتى اغتياله ورحيله إلى ربه شهيدا وشاهدا!، هو كفاءة خطابيّة وعلميّة، وما ملأ فراغ الشيخ محمد بن ناصر الشيباني في مسجد العيسائي من بعده خطيبا إلا هو -رحمه الله- يبحث مادة خطبته ومحاضرته ودروسه، ويطلع، ويقرأ، ويرصد، ويسجل، ويحترم خطبته وواقعه وجمهوره أيما احترام!  يُوَصِّل رسالته بهدوء، ويحقق أهدافه بسلاسة، وغاياته بمنطق سليم وحجة دامغة، وإقناع سوي، كلماته التي يخص بها أعداء تعز من البغاة والغزاة والقتلة قوية ونافذة، مع التزامه بعدم الخروج عن آداب الخطبة والجمعة وحرمة المسجد. 


الشهيد عمر دوكم  مدرسة متميِّزة في الخطابة والطرح المسؤول، عوامل ذلك ثقافته الغزيرة، وسلوكه السّوي، وشجاعته في الرأي، والصدع بما يؤمن به، وأساليبه الممتعة المُقنِعَة النافعة، تجده يُنفّذ خطبته في أجواء قريبة من واقعه، ومن مشكلات مجتمعه، وأحداث يومه، مراعيا لغده وأمسه، بعيدا كثيرا بمسافة كافية عن اللغط، والصخب، واللهب، والغضب، والتشنج، والسب والشتم، والتفسيق، والتكفير، والتلويح، والتهديد والتخويف، والدّروَشة والدّردَشة الزائدة، والنمطيّة الخطابيّة المملة، والسرديّة القاتلة، والرتابة العتيقة، والبكاء الطَّللِي، والخوار العِجَلِي الذي تأصل عند بعض الخطباء والمِهنة حتى وإن كانوا كبارا؟!


هذا النموذج  الديني والخطابي الوسطي المعتدل الدّوكَمِي الناجح لا يُعجب أهل الإرهاب الديني الحديث الذي تتبناه بعض فرق وملل وجماعات تنتسب للإسلام ظلما وعدوانا، وتنتمي له زورا وبهتانا، ولا فرق في هذه المدرسة الإرهابية بين سنة وشيعة، كما أن هذا التوجه الوسطي المعتدل المتعايش لا يُعجب أهل الإرهاب السياسي الاستبدادي الذي يظهر في بعض أنظمته وأحزابه وتوجهاته وأطيافه وزعمائه الطغاة البغاة، وكذلك لا يُعجب كثيرا من أهل اليسار واليمين المتطرفين من العلمانيين وطوابير النفاق ومصالحه كرها في شريعه الإسلام وأهلها وخدم للعملاء والأسياد. 


هذه الأطياف الإرهابية تتفق لتجعل من أمثال الأستاذ عمر دوكم ورفيق الأكحلي -رحمهما الله- الفريسة المبتغاة لهم، بل وكل من يماثل هذه المدرسة ويشابهها في فكرها ووسطيتها الإسلاميّة واعتدالها الديني ويكون من مخرجاتها فهو عُرْضة لهذه الوحوش الضارية، والأنياب القاطعة، والوجوه المُقنّعَة، والافخاخ الإرهابيّة الموجَّهه المتواجدة هنا وهناك تحت مظلة الانفلات الأمني، فهي تجعل تعز هدفا لها دون استثناء أو تفريق، شباب ورجال الثورة والثقافة والجيش والمقاومة والحاضنة. والتحريض الإرهابي الممنهج قائم على ساقيه وقدميه بنوعيه الديني والسياسي، المحلي منه والمستورد، وهم مستمرون في جرائمهم مالم تقم الدولة الشرعيّة في تعز لردعهم ومحاربتهم ذلك القيام الذي لا تقعد فيه ولا تجلس حتى تستأصلهم جميعا؟!


وعندما تتوجه الإنظار الإرهابيّة الطبيعيّة المحليّة والصناعيّة المستوردة إلى تعز بعد عدن، فهنا تكمن الخطورة، وبالتالي تكمن عظمة تعز ورجالها وثقافتها، وأحقيّة دفاعها عن نفسها واتخاذ كل تدابيرها المشروعة، وعليه يزداد إيماننا بتعزنا وثقافتنا ورجالنا وعلمائنا، وضرورة قيامنا صفا واحدا كالبنيان المرصوص في مواجهة القتلة الإرهابيون الاغتياليون في الداخل التعزي وفي خارجها، لنعطي رسالة لمن تسوِّل له نفسه المساس بتعز، ومن يفكر في نقض عراها من الداخل بتكوين زبانية خائنين، وإنشاء كيانات غريبة مريبة، ودعم خلايا إرهابيّة حاضرة وغيائبة، لتقطيع أواصرها، وتدمير مداميكها، وخلط أوراقها، وإذكاء نار الفتنة بين أطيافها، أو تهديد أخيَارها ورجال مدينتها وجيشها وأمنها وشرطتها الشرفاء بالاغتيالات، أو بالاختطافات والتصفيات الجسديّة لصالح قوى داخليّة أو خارجيّة، واستهداف العلماء والخطباء والمربون والقادة المؤثرون والمفكرون الوسطيون، والمثقفون المتنوِّرون، بغيّة التركيع والتسجيد والإذلال المستحيل.


فإني أعتقد جازما بأن من يفكر بهذه الحبائل الشيطانيّة والمكائد الإبليسية سيكون غاية في الغباء والحمق، غاية في التهور والمجازفة، غاية في البلادة والسذاجة، وستكون حساباته خاطئة كاذبة، حتى وإن كان قادرا على المشي بقدميه فوق الماء، أو السباحة بأطرافه في الأجواء، أو الطير بجناحي يدية وذنَبه في الهواء متجاوزا لإنسانيته وبشريته المعتادة، فإنه في الحقيقة نشّال ونصّاب وعرّاف ومنجّم ودجال وساحر ورائد إرهاب، وتعز الثورة قادرة بإذن الله ثم برجالها على إبطال سحره وفعله، وجعل كيده في نحره، وتدبيره في تدميره؟!.


 


المقال خاص بيمن الغد


 

Exit mobile version