الحوثيون يتهربون من جنيف

 


تخلف الحوثيون عن السفر إلى جنيف للمشاركة في المفاوضات التي كان يفترض أن تبدأ أول أمس الجمعة. وحتى مساء أمس السبت لم تظهر تفاصيل كافية توضح السبب الرئيس لتغيب الحوثيين عن لقاء جنيف الجديد الذي سعى لعقده المبعوثُ الأممي إلى اليمن مارتن غريفيت. وبينما وصل وفد الحكومة الشرعية في الموعد، تخلف الانقلابيون الحوثيون عن حضور المشاورات لأسباب متضاربة، بينما يجمع المراقبون على أن تخلف الحوثيين دليل عجز وخوف لديهم من الانتقال بالملف اليمني إلى طاولة النقاش الجاد بحثاً عن حل نهائي.


ويشكل احتمال التوصل إلى حل سلمي ينهي الأزمة في اليمن صداعاً مزعجاً للحوثيين لأن حل الأزمة سينهي الانقلاب ويضع الحوثيين في حجمهم الطبيعي ويحرمهم من السيطرة على موارد اقتصادية وعائدات تهريب ومناصب عينوا أنفسهم فيها بعد انقلابهم على الحكومة الشرعية اليمنية.


وبالعودة إلى مشاورات جنيف التي فشلت قبل أن تبدأ، بات واضحاً أن سلوك ميليشيا الحوثيين يتكرر باستمرار وبالطريقة ذاتها عند الشروع في فتح باب التفاوض لإنهاء الوضع المأساوي في اليمن بالطرق السلمية. ويقول المتابعون للأوضاع في اليمن، إن جماعة الحوثيين غير مؤهلة سياسياً للتفاهم مع الشرعية اليمنية لسببين؛ الأول أنها لا تملك زمام القرار، وتبقى دائماً في انتظار التوجيهات الإيرانية التي تملي عليها كل شيء، والثاني أن الحوثيين أدمنوا العنف والحرب، وتحولت مأساة اليمنيين بالنسبة لهم إلى مناخ للاستفادة من نمط اقتصاد الحرب، ومن السيطرة على بعض موارد الدولة الشحيحة، رغم تصاعد الأزمة الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة اليمنية إلى مستويات قياسية، إلى جانب قيامهم بفرض ضرائب وأتاوات على التجار في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. ولا شك أن الحوثيين استفادوا اقتصادياً من أعمال التهريب ومن السوق السوداء التي يديرونها ويبيعون فيها كل شيء، من النفط إلى الأدوية والمواد الغذائية التي يحصلون على بعضها من المساعدات الخارجية العينية.


وفي كل الأحوال أصبح لدى الشرعية اليمنية ولدى التحالف العربي لدعم الشرعية تجربة سابقة مع تهرب الحوثيين من الانتقال بالأزمة في اليمن من مربع الحرب إلى مربع السياسة. ولا شك أن استمرار الحوثيين في تلقي الأوامر في اللحظات الأخيرة من طهران يزيد من تعقيد المشكلة ومن مماطلتهم للجلوس إلى طاولة الحوار. لكنهم يتركون إيران تقرر بالنيابة عنهم ما يفعلون وكيف يتصرفون. وليست هذه المرة الأولى التي يذهب فيها اليمنيون بجناحيهم، الشرعي والانقلابي، إلى جنيف، بل هي المرة الثالثة. وفي كل الجولات السابقة، بما فيها جولة محادثات الكويت، أظهر الحوثيون تعنتاً وتهرباً من الدخول في صلب الإشكالية المتعلقة بأزمة الانقلاب على الشرعية اليمنية. أما هذه المرة فاختلقوا ذرائع للغياب بشكل نهائي، ليثبتوا خوفهم من التفاوض وعجزهم عن التعامل بمنطق سياسي عقلاني مع الملف اليمني الذي يريدونه أن يبقى من دون حل حسب الرغبة الإيرانية، وإلا فما الذي يعيقهم عن المشاركة في المحادثات وطرح ما لديهم؟


نستنتج من كل جولات التفاوض التي أفشلها الحوثيون أنهم لا يملكون خبرة سياسية كافية، إذ عجزوا عن الاستفادة من الفرص التي عرضت عليهم للتفاوض بشأن إنهاء الانقلاب. وقبل يومين أفشلوا فرصة أخرى في جنيف كانت الآمال معقودة عليها لفتح آفاق للسلام وللبدء بالتعاطي مع الملف اليمني بعيداً عن التمادي في الفوضى واختطاف الدولة وتهديد الأمن القومي لدول الإقليم وإثارة الانقسامات الطائفية المستوردة من الحليف الإيراني الذي يستغل الآخرين دون الاهتمام بمصائرهم.


لقد كانت المحادثات اليمنية السابقة، جنيف1 وجنيف2، ثم جولة الكويت.. تصل إلى طريق مسدود وتظهر الحوثيين في حالة تلكؤ وتهرب من معالجة الأزمة والاعتراف بكارثية انقلابهم على الشرعية. ونظراً لتعنتهم يبدو أنهم قرروا الغياب عن المحادثات لأنهم لا يملكون ما يطرحونه فيها.


هناك إجماع من قبل المصادر الإخبارية منذ أمس السبت على أن الحوثيين هم سبب انهيار محادثات جنيف، أو في أحسن الأحوال تأجيلها إلى وقت غير معلوم. والوقت دائماً يكشف نوايا المرتبكين والخائفين من طاولة التفاوض.


 


 

Exit mobile version