المليشيات الحوثية.. بين الإرهاب واللا شرعية
مرة جديدة تثبت المليشيات الحوثية أنها دالة لدوائر الشر الأكبر في الإقليم.
وقد برهنت على ذلك مؤخرا من خلال اختطافها سفينة الشحن “روابي”، التي ترفع علم دولة الإمارات.
تكذب المليشيات الحوثية بمعدل أسرع مما تتنفس به، وأول أكاذيبها القول بأنها “لم تختطف” السفينة، وإنما قامت “باحتجازها، بسبب دخولها المياه اليمنية دون ترخيص”.
وما يثبت تهافت الجماعة المليشياوية الإرهابية بيانُ هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، والتي قدرت موقع السفينة بأنها “كانت على مسافة 23 ميلا بحريا غربي مرفأ رأس عيسى النفطي المطل على البحر الأحمر”، ما يعني أنها كانت تمضي “في إطار المياه الدولية”، وليس المياه الإقليمية اليمنية أول الأمر، مع الأخذ في الاعتبار أن الحوثي جماعة غير شرعية، تُعرف وتوصف بالإرهاب الدولي، وليس من حقها التعرض لأي سفينة في المياه الإقليمية، فما بالنا باختطاف واحدة من المياه الدولية!
السفينة، التي كانت تحمل معدات طبية تمثل مستشفى لإغاثة ضحايا الإرهاب الحوثي، تحولت بقدرة غير طبيعية عند المتحدث باسم مليشيا الحوثي إلى “سفينة شحن عسكرية إماراتية تحمل معدات عسكرية ودخلت المياه اليمنية من غير ترخيص”.. وهنا يعنُّ للمرء التساؤل: “كيف عرفت المليشيات الموصومة بالإرهاب والموسومة باللا شرعية أن السفينة روابي كانت تحمل أسلحة حتى تقوم باختطافها من المياه الدولية؟!”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تهدد فيها المليشيات، التي تدور في فلك نظام الملالي في طهران، خطوط الملاحة والتجارة الدولية، ففي أواخر 2019، سيطرت مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران على سفينة سعودية وسفينتين من كوريا الجنوبية.
حكما تُعتبر عملية القرصنة الحوثية لسفينة الشحن “روابي” عملا خطيرا يكشف شهوات قلب “الحوثي” ونيّاتها المستقبلية، وخططها الاستراتيجية، لا سيما إذا تلقت الأوامر من طهران.
في منتصف ديسمبر الماضي، وجّهت أكثر من 100 منظمة يمنية وأمريكية وأوروبية، رسالة لرئاسة البرلمان الأوروبي ووزراء الاتحاد الأوروبي، للمطالبة بفرض عقوبات على مليشيا الحوثي، وتحمل الرسالة اتهامات للحوثيين تدور حول جعلهم ميناء “الحديدة” منطلقا للزوارق والألغام الحربية التي تهدد الملاحة الدولية، بخلاف ما تم الاتفاق عليه في ستوكهولم، ما مكّن “الحوثي” من ارتكاب مزيد من الجرائم والانتهاكات.
اختطاف سفينة الشحن “روابي” يثبت أن الحوثيين يتخذون من ميناء “الحديدة” قاعدة لتهديد الملاحة الدولية عبر مضيق “باب المندب”، الذي هو ورقة إيران الأخيرة والمهمة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تنفيذ تهديداتها، لما يمثله هذا المضيق من أهمية على صعيد الملاحة الدولية، ولا سيما أنه الرابط بين البحر الأحمر من الجنوب وبين المحيط الهندي.
هل على المجتمع الدولي والأمم المتحدة الاعتذار لدول الخليج العربي على إضاعة فرصة تحرير ميناء “الحديدة” من المليشيات الحوثية الإرهابية؟
قبل نحو عامين كانت هناك فرصة جيدة لقوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، لتحرير ميناء “الحديدة”، الميناء الذي تقوم من خلاله المليشيات الإرهابية الحوثية بالسطو على سفن المساعدات الإنسانية، وتهديد حركة الملاحة بالقرب من أحد أهم الممرات العالمية، غير أن صيحات أممية واهية تذرعت بـ”الحفاظ على حياة المدنيين” أفسدت خطة التحرير، الأمر الذي يفتح الباب واسعا للتساؤل عما إذا كانت النية مبيتة لعدم تحرير “الحديدة” من الأصل، وما يؤكد حالة الازدواج الأخلاقي، التي تعيشها المؤسسات الأممية في حاضرات أيامنا.
ما يحدث من قبل مليشيات الحوثي تعريض خطير لحرية الملاحة في البحر الأحمر وبالقرب من “باب المندب”، لا سيما إذا حدث إغلاق ما.
في تقرير صادر عن قسم إدارة معلومات الطاقة، التابع للمخابرات البحرية الأمريكية، نقرأ كيف أن: “إغلاق الممرات المائية في الشرق الأوسط المزدحمة بناقلات النفط، ولو بشكل مؤقت، يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية، وأسعار الطاقة العالمية”.
أما الإغلاق الكامل للمضيق، الذي لا يتجاوز عرضه 29 كم في أضعف نقطة، سيجبر الناقلات على الإبحار من السعودية والكويت والعراق والإمارات حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، الأمر الذي سيضيف إلى وقت العبور والتكلفة الكثير.
هل جاءت عملية اختطاف السفينة “روابي” ردا على الانتكاسات التي تتعرض لها مليشيات الحوثي الإجرامية على يد قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن؟
الحقيقة، التي لا بد من التوقف عندها، تتمحور حول رغبة إيران في السيطرة على مدينة مأرب الاستراتيجية، والتي لها أهمية سياسية وعسكرية واقتصادية كبيرة في الصراع باليمن، إذ تضم المدينة مقر وزارة الدفاع وقيادة الجيش اليمني، إضافة إلى حقول ومصفاة “صافر” النفطية. غير أن الضربات التي تم توجيهها في الأيام الماضية من قوات التحالف أوقفت أطماع الحوثيين بعد خسائر هائلة في المعدات، وقتل نحو 783 من عناصر جماعة “أنصار الله”، بينهم 571 ينتحلون رُتَب ضباط، لقوا مصرعهم خلال المعارك، ومن بين القتلى “لواء” و20 “عميدا” و43 “عقيدا” و58 “مقدما” و94 “رائدا”.
يقف المجتمع الدولي مرة أخرى “عاجزا” -في أحسن الفرضيات- أمام ما يجري في مأرب، ذلك أنه ومنذ فبراير 2021 تشن مليشيا الحوثي هجمات على محافظة مأرب الاستراتيجية والغنية بالنفط، رغم التنديدات التي تحذر من المخاطر الهائلة، التي تتهدد آلاف النازحين الذين لجؤوا إلى المنطقة هربا من الصراعات في بقية مناطق اليمن.
هل من خلاصة؟
باختصار غير مُخلٍ، قضية أمن البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، والخليج العربي، باتت قضية عولمية وليست فقط إقليمية، وعليه فإن إلقاء عبئها على التحالف العربي بمفرده أمر فيه إجحاف خطير، ما يعني أن على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بلورة استراتيجية جامعة مانعة لقطع الطريق على هجمات الحوثي، والاستعداد لوقوع المزيد منها.
“الحوثي” ليس سوى دالة للملف الإيراني، وسيظل هؤلاء ذراعا للشر، طالما بقيت الأزمة الإيرانية قائمة وربما قادمة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.