مصير الهدنة المؤقتة في اليمن يتأرجح بين التمديد واستئناف الحرب
- يواجه المجتمع الدولي والأمم المتحدة اختبارا صعبا مع اقتراب الهدنة المعلنة في اليمن من نهايتها، ويبدي اليمنيون تشاؤما حيال إمكانية تمديدها، في ظل التعاطي السلبي للحوثيين، لكنهم يحذرون من أن عدم الدفع بهذا الخيار قد تكون له تداعيات سلبية لاسيما وأن المجلس الرئاسي لم يتخذ حتى الآن خطوات عملية لإعادة ترتيب صفوف الوحدات العسكرية.
تقترب الهدنة الأممية في اليمن -التي دخلت حيز التنفيذ مطلع أبريل الماضي ولمدة شهرين قابلة للتمديد- من نهايتها، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن مصير الهدنة وإمكانية تحولها إلى وقف دائم لإطلاق النار في اليمن والشروع في إحياء مسار الحوار السياسي المتوقف عمليا منذ التوقيع على اتفاق السويد الخاص بالحديدة في العام 2018.
وظلت الجهود الأممية والدولية منصبة -منذ التوقيع على اتفاق السويد الذي رعته الأمم المتحدة- على التوصل إلى صيغة مشابهة تشمل كافة مناطق اليمن، مع الإقرار بصعوبة دفع الحكومة اليمنية والحوثيين إلى الالتزام ببنود الاتفاقات التي تحولت إلى غطاء سياسي في الكثير من الأحيان لاستمرار حالة التصعيد غير المعلنة والتحضير لجولات قادمة من الصراع العسكري والسياسي.
ومنذ دخول الهدنة الأممية حيز التنفيذ في الثاني من أبريل الماضي دأبت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والميليشيات الحوثية المدعومة من إيران على تبادل الاتهامات حول اختراق الهدنة وإصدار تقارير يومية توضح عدد الانتهاكات التي تعرضت لها في مختلف الجبهات.
وتحولت بقية البنود المرفقة بالهدنة إلى ساحة للاتهامات المتبادلة حول عدم جدية كل طرف في تنفيذ جوهر الاتفاق، في الوقت الذي يبدي فيه الحوثيون انتقائية في اختيار البنود التي تعزز أجندتهم السياسية والاقتصادية دون الالتفات إلى بقية الفقرات التي نصت عليها مبادرة المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
ويؤكد محللون أن مصير الهدنة في اليمن بعد بقاء أقل من أسبوعين فقط على نهايتها، بات رهينا بالضغوط الدولية والأممية للحيلولة دون انهيار الاتفاق وكذلك جدية الحوثيين في المضي قدما وتقديم تنازلات حقيقية بعد أن ظل اهتمامهم منصبا على فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء مع استمرار سياسة التحشيد العسكري والشعبي والإعلامي والتنصل من تنفيذ الشق المتعلق بتبادل الأسرى.
ويشير المحللون إلى وجود ثلاثة سيناريوهات تتعلق بمصير الهدنة الأممية ومآلات المشهد اليمني، الأول يتمثل في تمديد الهدنة مع تواصل الضغط لتحسين ظروفها والتقليل من حالة عدم الثقة بين الأطراف الموقعة عليها، والثاني انهيار الهدنة وتجدد المواجهات العسكرية بين الحكومة اليمنية والحوثيين، فيما يتأرجح السيناريو الثالث بين الخيارين السابقين، من جهة تحول الهدنة إلى نموذج موسع لاتفاق السويد الخاص بالحديدة والذي تحول إلى عنوان عريض لسلام هش تتناوشه الاختراقات والتجاوزات الحوثية.
هدنة هشة
يقول الباحث العسكري اليمني وضاح العوبلي “لا توجد أي مؤشرات يمكن البناء عليها لرفع مستوى سقف التفاؤل بأن هناك فرصة ممكنة للسلام الفعلي وغير الملغوم والمشبع بالضمانات اللازمة التي يمكن أن تزرع الثقة في نفوس الأطراف المحلية ومن ورائها دول الإقليم التي ترى في جماعة الحوثي تهديدا حقيقيا لها”.
ويشدد العوبلي في تصريحات لـ”العرب” على أن “السلام المستحق يتطلب تنازلات كبيرة، تسبقها خطوات إثبات حسن نوايا، تتمثل في الالتزام بوقف إطلاق النار وفق مقتضيات الهدنة القائمة، وكذلك فتح الطرقات المنقطعة بين المدن، وهو ما لم يحصل حتى الآن على الأقل من جانب ميليشيات الحوثي، وهي التي مازالت تجوب سماء عدد من الجبهات بطائراتها المسيرة، وتعبث بحياة المواطنين بقناصيها وقذائف مدفعيتها أمام أنظار العالم والأمم المتحدة”.
ويوضح الباحث اليمني “وفق المعطيات الحالية لا أعتقد أن هناك فرصة للسلام، لاسيما مع استمرار تعنت الحوثيين وخروقاتهم، واستمرار تعاطيهم مع الأمور على اعتبار أنهم اليمن وسلطة اليمن وما دونهم مرتزقة وعملاء. وهذا الموقف المتصلب يؤكد استحالة تحقيق السلام، والأرجح من وجهة نظري أن ما يجري مجرد تهدئة هشة لا يمكن البناء عليها لسلام حقيقي وعادل يضمن نزع سلاح الحوثي ويزيل عوامل القوة من تحت سيطرته ويلزمه بالتحول إلى جماعة سياسية تعمل مع باقي المكونات على تجريم استخدام السلاح والقوة لفرض أي أجندة أو أهداف أو مشاريع، وأن يكون الدستور والقانون مرجعية الجميع في المستقبل”.
يرى يعقوب السفياني، مدير مكتب مركز سوث 24 للدراسات في عدن، أن ما رافق الهدنة حتى الآن من خروقات عسكرية في مختلف الجبهات من قبل الحوثيين وكذلك تصاعد حدة الاتهامات بين مختلف الأطراف يشي بأن انتهاء الهدنة دون التوصل إلى اتفاق على تمديدها أو البناء عليها بشكل إيجابي ستعقبه حرب قد يكون الحوثيون عمليا هم أول من يبدأها ويطلق رصاصتها الأولى.
ويلفت السفياني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “الهدنة تحتاج إلى تنفيذ بنودها المختلفة سواء من قبل المجلس الرئاسي اليمني أو من طرف الحوثيين، كما أن إتمام صفقة الأسرى التي تم الإعلان عنها قبل بدء الهدنة من شأنه أن يعيد إلى الهدنة بعض الزخم ويخفف الاحتقان والتوتر الموجودين الآن”.
ويضيف “الجهود الأممية والدولية اليوم تبدو أكثر تصميما من أي وقت مضى على وضع حد للحرب العسكرية في البلاد والتوصل إلى وقف إطلاق نار دائم على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبالنسبة إلى الأمم المتحدة تحقيق هذا الأمر بوجود قيادة شرعية جديدة في اليمن ممثلة في المجلس الرئاسي أكثر سهولة اليوم، لكن يبقى الأمر مرتبطا بمدى تجاوب الحوثيين مع دعوات السلام”.
رهانات مختلفة
يتابع “إن انتهاء الهدنة في ظل استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه ستخلفه بكل تأكيد حرب جديدة في ظروف جديدة أيضًا مع مجلس قيادة رئاسي يضم أبرز القيادات العسكرية والقبلية اليمنية. وبرأيي الحرب ضد الحوثيين هذه المرة ستكون مختلفة”.
يعتبر عبدالحفيظ النهاري، نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام، أن اليمن أصبح عمليا على مشارف نهاية الهدنة الإنسانية في الثاني من يونيو القادم، بعد أن راهنت الأمم المتحدة على نجاحها واعتبرتها هدنة قابلة للتمديد، ويمكن أن يبنى عليها في الترتيب لوقف طويل لإطلاق النار والشروع في تسوية سياسية شاملة.
ويشير النهاري إلى أن هذه الهدنة انطلقت منذ البداية دون آليات واضحة ودون ضمانات، واكتفت الجهود الأممية بموافقة الحوثيين والحكومة الشرعية.
ويلفت السياسي اليمني إلى أن “الحكومة تعاملت بمسؤولية من أجل تخفيف معاناة الشعب اليمني سواء على مستوى تأمين احتياجاتهم من الطاقة والغذاء، أو تسهيل تنقلهم عبر المطارات والمعابر البرية بيسر. في المقابل سعت الميليشيا الحوثية لتسييس الملف الإنساني وتوظيفه في أغراض تخدم أجندتها، وخاصة في ما يتعلق بإجراءات فتح مطار صنعاء؛ حيث حاول الحوثيون من خلال الإصرار على حيازة المسافرين لجوازات صادرة في صنعاء، الحصول على اعتراف ضمني بسلطتهم غير الشرعية عبر قبول تداول وثائق السفر الصادرة عنهم، الأمر الذي عرقل أول رحلة طيران مدنية”.
ويلفت النهاري في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “الخروقات الحوثية العسكرية على مختلف الجبهات تجاوزت الألفي خرق بحسب الإحصاءات والتقارير الرقابية اليومية، فضلا عن عدم استجابة الحوثيين حتى الآن لفتح الطرقات في تعز ومن إلى المحافظات وتسهيل سفر المواطنين”.
وعلى مستوى ملف الأسرى لا تزال الجهود تراوح مكانها بخصوص عدد المختطفين الأجانب الذين أفرج عنهم الحوثيون بوساطة عمانية وضغوط دولية، وإطلاق السعودية لمئة وستة وعشرين أسيرا حوثيا من طرف واحد، لإثبات حسن النية وبناء الثقة.
ويوضح القيادي في المؤتمر الشعبي “يبدو أن كل مبادرات حسن النية من أجل إنجاح الهدنة -ومنها تدفق الوقود والاحتياجات الإنسانية وتنظيم رحلات طيران مدنية، وسحب الحكومة لنقاطها من الطرق وخطوط النقل الرئيسية من طرف واحد بما في ذلك الساحل الغربي لم تغير سلوك الحوثيين في التلكؤ والعرقلة، وخاصة مع غياب آليات مناسبة ورقابة من طرف ثالث على تنفيذ الهدنة”.
وعن مآلات الهدنة في ظل التقارير التي تتحدث عن استمرار التعبئة العسكرية من قبل الحوثيين، يضيف النهاري “رغم أن الهدنة تنص في أحد بنودها على عدم استغلالها أو استخدامها للتحفز القتالي أو إعادة الانتشار لتحقيق مكاسب عسكرية، ضاعف الحوثيون التعبئة والاستنفار والحشد في جبهة مأرب وواصلوا عدوانهم على المحافظة التي مر عليها أكثر من عام دون تحقيقهم أيا من أهدافهم، مع استبسال أبناء مأرب والجيش الوطني والمقاومة الوطنية في التصدي لهم، وبعد كل هذا مازال المبعوث الأممي هانس غروندبرغ يراهن على تمديد الهدنة وتحسين مستويات تنفيذها والرهان على البناء عليها، بينما لم تتخذ أي إجراءات لإدانة الخروقات الحوثية وعدم الالتزام، ويستخدم المبعوث الأممي الدور العماني في محاولة التأثير على الحوثيين وبعض الدوائر الدولية المؤثرة مثل الدور البريطاني، مع بقاء الدور الأميركي متذبذبا في موقفه من الحوثيين بالتزامن مع تعثر وتأخير المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني”.
وفيما يبدو موقف الشرعية أكثر تماسكا من ذي قبل بعد مشاورات الرياض والتغييرات التي حدثت في جسم الهيكل الرئاسي الشرعي، واستجماع القوى الميدانية المناهضة للانقلاب، بعد نقل الرئيس لصلاحياته، تحتاج الترتيبات العسكرية والأمنية بغرض مواجهة الحوثيين لوجستيا إلى بعض الوقت.
وتشكل عودة ظهور التنظيمات والعمليات الإرهابية في المناطق المحررة تحديا مستجدا من شأنه التأثير السلبي على استجماع الشرعية لقواها الأمنية والعسكرية، وتمكينها من إنجاز مهامها المرحلية التي في مقدمتها الاستعداد للخيار العسكري الحاسم باتجاه استعادة مؤسسات الدولة والعاصمة صنعاء.
وفي ذات السياق يشير النهاري إلى الرهان الحوثي على الفصل بين الهدنة الإنسانية وبين المواجهة العسكرية والصراع السياسي، فيما يصر المجتمع الدولي والإقليمي على أن تكون هذه الهدنة طريقا إلى بناء سلام دائم وتوفير بيئة ملائمة لمفاوضات وحوار من أجل حل سياسي شامل.
ومن خلال المعطيات الراهنة يتضح أن الحوثيين -وفقا للنهاري- يراهنون على استراتيجية الحرب واستمرار العنف والصراع العسكري، بينما تراهن الشرعية والتحالف والمجتمع الدولي والشعب اليمني على استراتيجية السلام، ولكن يظل السؤال الذي لا بد أن يؤخذ في الاعتبار: هل ينجح التحالف والشرعية والمجتمع الدولي في جر الحوثيين إلى السلام، أم ينجح الحوثيون في جر الشرعية إلى الحرب قبل أن تكون جاهزة لذلك؟ لاسيما مع ظهور تحديات جديدة – قديمة تتعلق بالتخادم بين الحوثيين والتنظيمات الإرهابية التقليدية الأخرى، خاصة بعد أن أفرجوا عن عناصر خطيرة منهم من سجون صنعاء، وبدء عملياتهم الإرهابية ضد الشرعية في المناطق المحررة.
ورقة مأرب
يحذر صالح أبوعوذل، رئيس تحرير صحيفة “اليوم الثامن”، من أن الحوثيين يستعدون على الأرجح للانقضاض على مأرب، معتقدين أن السيطرة على المحافظة الغنية ستمثل نقطة تحول لمصلحتهم، لذلك ينطلقون في تعاطيهم مع الهدنة من فكرة أنها استراحة لترتيب الأوراق، ويشجعهم على ذلك بعض المواقف الإقليمية التي شكلت مؤخرا جسر إمداد مهما ناهيك عن الاستثمارات في قطاع الاتصالات وغيره.
ويؤكد أبوعوذل في تصريحات لـ”العرب” أن “الرؤية الحوثية قائمة في المرحلة الراهنة على استخدام مأرب كورقة تفاوض كبيرة”، وعن رؤية الطرف الآخر المتمثل في الشرعية يضيف “إذا نظرنا إلى الطرف الآخر (مجلس القيادة الرئاسي) نلاحظ أنه لم يحصل أي تغيير في هيكلة الجيش الذي يهيمن عليه الإخوان عن طريق الجنرال علي محسن الأحمر، الذي أزيح من منصب نائب الرئيس لكنه لم يُحل إلى التقاعد ولا يزال ممسكا بالجيش اليمني الذي يتحرك وفق تعليماته، والإخوان بشكل عام موقفهم كتنظيم رافض لإجراءات نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي”.
ويرى أبوعذل أن “خيارات مجلس القيادة عسكريا هي الأصعب والأضعف، محذرا من أن إسقاط الحوثيين -الذين يسيطرون على معظم الشمال اليمني- لمأرب يعني أن مجلس القيادة سيواجه صعوبات كبيرة ما لم تكن هناك تحركات حثيثة على الأرض انطلاقا من تنفيذ بنود اتفاقية الرياض التي نصت على الدفع بالقوات المسلحة اليمنية من وادي حضرموت والمهرة إلى مأرب، فضلا عن أهمية دعم المجلس الانتقالي الجنوبي لفرض خيارات أمنية في المهرة من أجل منع استمرار تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وهذا الإجراء يخدم بشكل رئيسي منع مأرب من السقوط”.